لنَا: لَوْ ثَبَتَ لأَدَّى إِلَى وُجُوبٍ وَتَحْرِيمٍ؛ لِلْقَطْعِ بِأنَّهُ لَوْ تَرَكَ الأوَّلَ أَثِمَ.
وَأَيْضًا، فَإنَّهُ لَوْ عَمِلَ بِالثَّانِي عَصَى اتِّفَاقًا.
وَأَيْضًا: يَلْزَمُ قَبْلَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ ﵇، وَهُوَ اتِّفَاقٌ.
قَالُوا: حُكْمٌ، فَلا يُعْتبَرُ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ.
قُلْنَا: لا بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ.
وذكر القاضي في "التقريب" أن الخلاف لفظي، وذكر في مختصره أن القائلين بثبوته يقولون؛ لو قدر ممن لم يبلغه الناسخ إقدام على الحكم الأول، كان زللًا وخطأ، بيد أنه لا يؤاخذ به، ويعذر لجهله.
الشرح: "لنا: لو ثبت" حكم الناسخ قبل التبليغ، "لأدى إلى" مُحَال، وهو اجتماع "وجوب وتحريم؛ للقطع بأنه لو ترك" المكلف الحكم "الأول" قبل التبليغ "أثم"، والغرض أن الوجوب ثابت.
"وأيضًا، فإنه لو عمل بالثاني" قبل إعلامه "عصى اتفاقًا"، ولو ثبت حكمه لكان ممتثلًا غير عاص.
"وأيضًا: يلزم" من ثبوته في حق الأمة "قبل" أن يبلغهم إذا بلغ النبي ﷺ ثبوته قبل "تبليغ جبريل"؛ لأن الحالتين سواء في وجود الناسخ، وعدم علم المكلف به، فإذا كان وجوده مقتضيًا لحكمه، وعدم علم المكلف لا يصلح مانعًا، فثبت حكمه عملًا بالمقتضى السَّالم عن المعارض، "وهو "أي: اللازم الذي هو ثبوته قبل تبليغ جبريل باطل، وقد وقع على بطلانه من علماء الأمة "اتفاق".
ولقائل أن يقول: قولكم: يؤدي إلى اجتماع وجوب وتحريم.
قلنا: قد بَيّنا الخلاف إنما هو في الثبوت في الذمة، والثابت هو النَّاسخ دون المنسوخ. قولكم للقطع بأنه لو ترك الأول أَثِمَ.
قُلْنا: لا نسلم أنه يأثم بتركه.
نعم: يتجه تأثيمه على جرأته حيث أقدم ظانًّا التحريم، كما نقول فيمن وطئ زوجته يظن أنها أجنبية، فإنه لا يأثم إلا على الجُرْأة.