ثبوتًا أو إثباتًا، فإن المثبت للحكم في الحقيقة هو الله - تعالى - وبهذا الاعتبار هو في الأصل، أو الفرع قبل القياس الذي هو فعل القائس، ويطلق الإثبات على الاعتقاد والاسْتِدْلَال، وبهذا الاعتبار هو ثابت في الأصل قبل القياس، وفي الفرع بعده.
وقوله:"في إثبات حكم"، أورد عليه: أن القياس قد يكون في العقليات، فتثبت به الصفة، كما يثبت الحكم.
وجوابه: أن الثابت بالقياس الحكم بالصفة لا نفس الصفة، وبهذا يندفع سؤال يورد على القاضي - أيضًا - فيقال: إن كانت الصفة مندرجة في الحكم، كان قوله بعد ذلك: بأمر يجمع بينهما فيه من حكم أو صفة - زائدًا، وإن لم تكن مندرجةً، كان الحد ناقصًا؛ لعدم اندراجها مع الحكم.
وتَحْريرُ اندفاعه أنا نقول: ليست مندرجةً، وليس الحد ناقصًا؛ لأن الثابت بالقياس الحكم بها لا هِيَ.
قلت: وقد عرفت أنَّ المصنّف اعتمد هذا السؤال، حيث قال: وبجامع كافٍ، وهذا جوابه على تقدير أن يكون القاضي جعل من إثبات صفة وحكم … إلخ، من تَتِمَّةِ الحد والأظهر خلافه، كما قدمناه.
وقوله: أو انتفائه، دَعَاه إلى ذلك - كما صرح به في "التقريب" - أن الإلحاق قد يكون في الإثبات، كحُرْمَةِ النَّبِيذ بالقياس على الخَمْرِ، وقد يكون في النفي، كعدم طَهُورِيَّة الخَلّ بالقياس على الدهن.
وقوله: بأمر جمع بينهما فيه، لا بد منه في تحقيق ماهيَّة القياس.
وقوله: من "إثبات صفة أو حكم … " إلى آخره، "من" هذه لبيان الجِنْسِ، وهو شرح للأمر الجامع، وقد ذكرنا أنه ليس من تمام الحَدّ.
وقوله: أو انتفائه عنهما، أي: نفي حكم أو صفة عن الأصل والفرع، فيكون ذلك النفي جامعًا. هذا تمام شرح الحد.
وقد اعترض بأمور:
أولها: أنه جعل الحَمْل جنسًا، وهو غير صادقٍ على القياس؛ لأنه ثمرة القياس، لا نفس القياس.