للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقوله: "في إثبات حكم … " إلى آخره، بيان لهذا الإلحاق؛ فإن الحمل والإلحاق له جِهَاتٌ كثيرة، فتبيّن أنه في هذه الجِهَةِ، ولهذا حذف بعضهم اللَّفظ الأول، وهو: الحَمْل، واكتفى بالثاني، فقال: القياس: إثبات حكم معلوم لمعلوم.

قال أبي : وإذا تؤمّل كل منهما وجد حَدّ القاضي أولى منه؛ لأن إثبات الحكم في الفرع نتيجةُ القياس لا عينه؛ لأنك تقول: ألحقت هذا بهذا، فأثبت حكمه له، وحقيقة الإلحاق: اعتقاد المساواة، فأول ما يحصل في نفس القاض العلّة المقتضية للمساواة، ثم ينشأ عنها اعتقاد المساواة، والقباس هو هذا الاعتقاد، أو حكم مستند إليه، وهو حكم المُعْتقد في نفسه بما اعتقده من مُساواة أحد الأمرين للآخر، وهو إلحاقه به في الجِهَةِ المذكورة، وهو ثبوت ذلك الحكم أو نفيه.

قال: وبهذا يندفع إيراد من أورد أن الحكم في الأصل ثابت قبل القياس، فكيف قال: في إثبات حكم لهما؟.

قلت: وهو المذكور ثانيًا في الكتاب، حيث قال: وإثبات الحكم فيهما معًا ليس به.

قال: فالقياس إنما هو الحَمْل والاعتقاد، وهو اعتقاد المُساواة، والحكم بها في ذلك


= من المجتهد، وأما الإثبات بمعنى جعل الحكم ثابتًا في الفرع بعد أن لم يكن، فإنما يكون من الشارع؛ إذ لا حكم إلا لله تعالى بالإجماع؛ فلا يصح إرادته في التعريف.
والمراد بإدراك الثبوت الذي فسرنا به الإثبات: "حكم الذهن بأمر على أمر" سواء أكان جازمًا أم راجحًا، فيشمل "القياس القطعي" كما إذا قطع القائس بعلية العلة في الأصل وبوجودها في الفرع عن دليل كقياس الضرب على التأفيف في الحرمة بجامع الإيذاء في كل، فإنه قياس قطعي؛ للقطع فيه بعلية العلة وبوجودها في الفرع. "والقياس الظني" بأن ظن القائس علية العلة في الأصل أو ظن وجودها في الفرع لدليل ظني، كقياس التفاح على البر في الربوية بجامع الطعم في كل، فإنه قياس ظني؛ لأن علية الطعم مظنونة فقط؛ لاحتمال علية الاقتيات والادخار كما قال بها بعض الأئمة.
هذا حاصل ما قاله الأسنوي وغيره في بيان معنى الإثبات:
"وأنت خبير" بأن الإثبات بهذا المعنى لا يشمل القياس الفاسد الذي علم فساده كالمسوق للإلزام؛ لأن سائقه لا يدرك ثبوت الحكم أصلًا، وإنما يفرضه فرضًا.
فالذي يظهر لي أنه إن أريد شمول التعريف القياس الصحيح والفاسد، فلا بد أن يفسر الإثبات "بملاحظة الثبوت" سواء أكانت هذه الملاحظة على سبيل الإدراك أم على سبيل الفرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>