فإن قلت: هذا واضح عند التَّعبير بقولنا: يجمع بينهما فيه، كما نقلتموه عن القاضي؛ لأنّا قد نجمع بما ليس بجامعٍ في نفس الأمر، فيكون فاسدًا، أما عند التعبير بقولنا: بجامع، فلا يصدق إلا على الصحيح؛ لأنّ الجامع إذا تحقّق كان صحيحًا.
قلت: قد علمت أن القاضي لم يقل: بجامع، بل: بأمر يجمع بينهما فيه، فاندفع هذا، ثم نقول: وَهَبْ أنه قال: بجامع، لا يرد ما ذكرتم؛ فإن معناه: بجامع يجمع بين الأمرين، وسمَّيناه جامعًا؛ لجمع القائس به الأمرين، كما يسمى النَّصْل (١) قاطعًا؛ لأنا نقطع به، ولا يلزم من جَمْعه به بين الأمرين لظنه أنه مشترك بينهما، كونه في نفس الأمر مشتركًا بينهما.
وقد قال الغزالي - بعد أن ارتضى هذا التعريف -: ثم إن كان الجامع موجبًا للاجتماع في الحُكْم، كان صحيحًا، وإلا كان فاسدًا. انتهى.
وهو صريح فيما قُلْته من: أن الجامع يطلق، وإن لم يكن الاجتماع موجودًا.
وخامسها: اعتراض ذكره أبي - رحمه الله تعالى - وهو أن قول القاضي:"أو نفيه حَشْو".
وقوله: ليندرج الإلحاق في الثبوت والنفي - ضعيف؛ فإن الإلحاق في النفي إنما هو في الحكم بالعَدَمِ، لا في نفس العَدَمِ، والحكم بالعدم ثبوتيّ لا عدميّ، كالحكم بالوجود؛ ألا ترى أنا نقول: الحكم خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين، وهو ثبوتي وإن كان منه عدم التَّحْريم وعدم الحلّ، فالعدم إنما هو في المحكوم به، أو في نفس العِبَادة، كقولنا: لا يحرم، ومعناه: يحل؟!
فإن قلت: عدم الحرمة أعمّ من الحلّ.
قلت: نعم، ولكن عدم الحُرْمة الذي لا حلّ معه هو العدم العَقْلي، وذلك لا يثبت بالقياس، ولا يقاس عليه شرعًا، وعدم الحرمة المستند إلى الشرع هو الحل بعينه. هذا كلام أبي، وهو اعتراض واقع لا مَحِيصَ للقاضي عنه.