قال: وقول القاضي بعد ذلك: "أو انتفائه عنهما"، أي: نَفْي حكم أو صفة عن الأصل والفرع - كما عرفت - لا بد منه، بخلافه فيما سبق؛ لأن الحكم لا يكون إلا إثباتًا - كما عرفت - وأمّا الجامع فقد يكون نفيًا محضًا، نعم هذا في نفي الصِّفَة ظاهر؛ لأنه قد يكون مناسبًا لإثبات حكم وجودي أو عدمي.
وأما نفي الحكم، فإن كان بالشَّرع فهو إثبات، وإلا فهو عَقْلي محضٌ، وبقاء على البراءة الأصليَّة، فلا يصلح أن يكون علّة في حكم شرعي.
الشرح: قوله: "وقولهم: ثبوت حكم الفَرْعِ فرع القياس، فتعريفه به دور".
هذا اعتراض ذكره الآمدي، وزعم أنه مشكلٌ لا مَحْيصَ للفاضي عنه، وهو: أن حكم الفرع متفرعٌ على القياس، وليس ركنًا في القياس؛ لأن نتيجة الدليل لا تكون ركنًا فيه؛ للزوم الدور، وقد أخذه قيدًا حيث قال: إثبات.
لا يقال: هذا الاعتراض هو ما ذكره المصنف أولًا، حيث قال: الحمل ثَمَرَةُ القياس لا نفس القياس، وهذا لأن الحمل والإثبات واحد؛ لأنا نقول: الحمل هو فعلك الناشئ عن المُسَاواة، فإذا اطلعت عليها حملت، والقياس نفس المساواة، فإذن لولا وجود القياس الذي هو المساواة، لما حملت، وأمّا الإثبات فهو نفس الثبوت، أو ملزوم الثبوت.
واعلم أن هذا كلام ذكرناه على مَسَاق طريقة المصنف، وقد بناه على ما في ذهنه من أن القياس نفس المساواة، وهو دليلٌ شرعي موجود في نفس الأمر اعتمده القائس أم لا، وأن الحمل فعل القائس، وهو متأخّر عن القياس، وأنَّ الإثبات غير الحمل؛ لأنه إن كان لثبوت فواضح، وإن كان ملزوم الثبوت، فهو فعل الله - تعالى - وليس هو وظيفة القائس؛ فإن وظيفة القائس الحمل لا الإثبات، ولم يذكر الآمدي لهذا الاعتراض جوابًا، بل فخم أمره، كما عرفناك.