للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقتصر على تعريفاتٍ ثلاثةٍ، وهي لإمام الحرمين، والغَزَالِيِّ، ولابن الحاجب مع بيان المُخْتَارِ منها:

عَرَّفَهُ إمام الحرمين الجُوَيْنِيُّ بأنه: اللَّفْظُ الدَّالُّ على انْتِفَاءِ شرطِ دوامِ الحكم الأوَّل.

قال القَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: ومعناه أن الحُكْمَ كان دَائِمًا في علم الله دوامًا مشروطًا بِشَرْطٍ لا يَعْلَمُهُ إلا هو، وَأَجَلُ الدوام أنْ يَظْهَرَ انتفاء ذلك الشرط لِلْمُكَلَّفِ؛ فَيَنْقَطِعَ الحكم، ويبطلَ دوامُه، وما ذلِكَ إلَّا بتوفيقه تعالى إيَّاه، فإذا قَالَ قولًا دالًّا عليه، فَذلِكَ هو النَّسْخُ.

وأَوْرَدَ على هذا التَّعْرِيفِ جملةً من الاعْتِرَاضَاتِ نذكر أهمها:

منها: أنه فَسَّرَ النَّسْخَ باللَّفْظِ، وهو دَلِيلُ النَّسْخِ، لا هو؛ يقال: "نُسِخَ الحكمُ بالآيَةِ والخَبَرِ".

ومنها: أنه غير مُطَّردٍ؛ لدخول ما ليس بِنَسْخ فيه، وهو قَوْلُ الْعَدْلِ: "نُسِخَ حكم كذا"؛ فإنه لَفْظٌ دالٌّ على ظهورِ انتفاءِ شرط الدوام، وليْسَ بِنَسْخٍ ضَرْورَةً.

ويمكن الجوابُ على هذه الإيرادات:

فَيُجَابُ على الاعْتِرَاضِ الأوَّل: بأنه في التَّعْرِيفِ فسَّر النسخ باللَّفْظِ؛ بأن إطْلَاقَ النَّسْخِ على اللَّفْظِ الدالِّ عليه حقيقةٌ اصطلاحيةٌ؛ فكما أن الحكمَ ليس إلا قولَ الله: "افعل كذا"، فكذا النسخُ ليس إلَّا قول الله: "لا تفعل كذا".

وأمَّا عن قولهم: "إنَّهُ غير مطَّرِدٍ"، فإن قول العَدْل يدل على ذلك القول، أي: قول الله "لا تفعلْ" هو دليل النسخ الدال بالذات لا هو، أي: النَّسْخُ بالذَّات.

وعرَّفه حجة الإسلام الغَزَالِيُّ بـ "الخِطَابِ الدَّالِّ على ارتفاع الحكم الثابتِ بالخطابِ المتقدِّم، على وَجْهٍ لولاه، لكان ثابتًا به مع تراخيه عنه".

وقال في بيانه: "وإنَّما آثَرْنَا لَفْظَ "الخطابِ" على لَفْظِ "النص"؛ ليكون شَاملًا للَّفظ والفَحْوى والمفهوم وكل دليل؛ إذ يجوز النسخ بجميع ذلك".

وإنَّما قيدنا الحد بالخطاب المتقدِّم؛ لأن ابتداء إيجابِ العباداتِ في الشَّرع مزيلٌ لحكُمْ العَقْلِ من براءَةِ الذمَّة، ولا يسمَّى نسخًا؛ لأنه لم يُزِلْ حكمَ خطاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>