حجة أبي حنيفة، ومحمد: أن مطلق البيع يقتضي صفة السلامة، فيكون لازمًا ما دام قد تحقق مقتضاه، وبانعدام اللبن بالكلية لا تذهب صفة السلامة، فبقلتها من باب أولى، فلا رد بالتصرية؛ لأنها عِبَارَةٌ عن ظهور قلة اللبن. وقد اعترض الجمهور على ذلك بأن التصرية، وإن لم تكن عيبًا لكن فيها تدليس، وتغرير بالمشتري، وهو يثبت له حق الرد، كمن اشترى قفة ثمار، فوجد في أسفلها حشيشًا مثلًا، حيث يكون له حق الرد للتغرير. وقد أجاب الحنفية عن هذا الاعتراض بجوابين: أولهما - بأن المشتري في المصراة مغتر لا مغرور؛ لأن كبر الضرع قد يكون لغزارة اللبن، وقد يكون لغزارة اللحم، فتكتم على أمر كان يمكنه أن يعلم من البائع اغترار منه بكثرة اللبن، وهذا بخلاف قصة الثمار لا معنى لها إلا على أن كل ما فيها ثمر، فالمشتري فيها مغرور لا مغتر ومضلل عليه لا ضال. وثانيهما: بالفرق على فرض أن المشتري هنا أيضًا مغرور بأن التقرير في قصة الثمار بنقص المقدار، وهو عيب، وهذا بخلاف التصرية. أما المنقول: فما روى عن أبي هريرة ﵁ أن النَّبِيَّ ﷺ قال: "لَا تصِرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَينِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا، وَصَاعًا مِن تَمْرٍ". وهو حديث متفق عليه. وللبخاري وأبي داود: "منِ اشْترَى غَنَمًا مُصَرَّاةً، فَاحْتَلَبَهَا، فانْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِها صَاعٌ مِن تَمْرٍ" ولمسلم: "إذَا مَا اشترَى أَحَدُكُمْ لقحةً مُصَرَّاةً، أو شَاةً مُصَرَّاةً، فَهُوَ بِخَير النَّظَرَين بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا، إمَّا هِيَ، وَإِلَّا فَلْيَرُدَّهَا، وَصَاعًا مِن تَمْرٍ". وللجماعة إلا البخاري: "مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ مِنْهَا بِالخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّامٍ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَمَعَهَا صَاعًا مِن تَمرٍ لا سَمْرَاءَ". =