(٢) قال أبو عبيد: المصراة: هي الناقة أو البقرة، أو الشاة. تصري اللبن في ضرعها، أي يجمع، ويحبس، ومنه يقال: صريت اللبن، وصريته بالتخفيف والتشديد. وقال الإمام الشافعي ﵁: التصرية أن تربط أخلاف الناقة، أو الشاة، وتترك من الحلب اليومين، والثلاثة، حتى يجتمع لها لبن، فيراه مشتريها كثيرًا، فيزيد في ثمنها. قالوا: فظاهر قول أبي عببد أن المصراة مأخوذة من التصرية، وهي الجمع. وظاهر قول الشافعي: أنها مأخوذة من الصر وهو الربط، ثم ضعفوا قول الشافعي: بأنه لو كانت مأخوذة من الصر؛ لكان يقال لها: المصررة؛ لأن لامها حينئذ راء لا ياء. والذي يتراءى في نظري أن قول الشافعي لا يخالف قول أبي عبيد؛ بدليل أنه قال: التصرية أن تربط أخلاف الناقة، حتى يجتمع لها اللبن، فبين أن معنى التصرية هو الجمع. غاية ما في الأمر تكفل بزبادة بيان طريقهم في هذا الجمع، وعادتهم السائدة فيه بينهم، فقال: أن تربط الأخلاف اليومين والثلاثة، وفي معنى التصرية: التحفيل، وقد وردت بعض الروايات الصحيحة مصرحة بهذا اللفظ أيضًا، ومنه قيل لمجامع الناس: محافل. والفقهاء كلهم على أن التصرية للبيع حرام؛ لأنها غش، وخداع، ومكر سيء، واحتيال على أكل أموال الناس بالباطل، والرسول ﵊ يقول: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا". وكلهم كذلك على أن بيع المصراة مع ذلك صحيح؛ لأن الرسول ﷺ لم يحكم ببطلان بيعها، وإنما جعل فقط الخيار لمبتاعها، وهو لا يكون إلا في عَقْدٍ صحيح. =