تقدير تسميتها باعثًا، وإن لم توجد الشَّرائط، وتنتفي الموانع رجوع النزاع لفظيًّا، وسنقرر ذلك إِن شاء الله تعالى أحسن تقرير.
وثانيها: تعارض دليل الاعتبار والإِهدار، وقد مضى.
وقوله:"علّة الانتفاء للمعارض لا ينافي الاعتبار" ممنوع، وسَنَدُ المنع قد عرفته.
وثالثها: قياس الشرعية بالعقلية، وقوله في الفرق:"تلك بالذَّات، وهذه بالوضع" في غاية السّقوط؛ فإن الشرعية وإن كانت بالوَضْعِ، لكنها على حسب ما وضعت، ونحن نقول: إِنما وضعت عند وجود الشَّرَائط، وانتفاء الموانع، لا مطلقًا، ونقول: وضعت لتناسب العقليّة، وتحاكيها، في أن الحكم يتعقبها أنّي وجدت.
ورابعها: أنّ العلّة طريق الحكم، فلا يجوز أن تكون موصّلةً في مكان، غير موصلة في آخر؛ إِذ الطريق لا يختلف، فإن من ظن أن زيدًا في الدَّار بخبر رجل بعيد من الكذب، لا يجوز أن يخبره ذلك الرّجل بأن عمرًا في الدار، ثم لا يظنّه صادقًا، إِلا إِذا حصل مانع، وحينئذ تبيّن أنه لم يكن ظن صدقه أولًا لمجرد أنه بعيد من الكذب، بل لذلك مع ضميمة انتفاء المانع.
وخامسها: أن وجود العلّة مع عدم حكمها مناقضةٌ؛ بدليل عدّ العقلاء، فإن من قال: سامحت فلانًا لأنه بَصْري، ثم لم يسامح غيره من البصريين، بادر القوم بالاعتراض عليه بالنَّقض، فإن اعتذر بعَدَاوة غيره له، قيل له: هلّا قلت: سامحته؛ لأنه بصري وليس بعدوّ؟.
وسادسها: وهو معتمد القَاضِي أبي بكر: أن معتمدنا في القياس، إنما هو فعل الصحابة ﵃، وقد تحقّقنا تمسكهم بالعلل المطردة دون المخصّصة، ومن تمام قول القاضي: إِنه لا يتمسّك بالظنون، ولو استتبّ دليل علي جواز النقض، وهو ظني، فالقاطع إِنما قام على جواز المطّردة دون المنصوصة.