قلنا: بالنسبة إِلى المخصوص أو غيره؟ إِن كان بالنسبة إِلى المخصوص، فقد فات بالكلّية، وإن كان بالنسبة إِلى غيره، فصحيح، لكن انضم إِليه شرط انتفاء ما استثني.
وفَيْصَلُ الأمر عندنا: أن مجلس المُنَاظرة مَبْنِيٌّ على المُشَاحّة، والمُحَاقّة، وعدم التفات الخَصْم إلى الإِرَادَات والمَقَاصد، ونظيره من قال لامرأته: أنت طالق.
ثم قال: أردت من وثاق، فإنا نحكم بالطَّلاق، ونقول: إِن كنت في نفس الأمر صادقًا لم يقع، ولكنا لا نبني إِلا على الألفاظ، وأمثال هذا يكثر.
ومن شبه القائلين بتخصيص العلّة: أنها أمارة، والأَمَارَةُ قد تتخلف، ولا تخرج بالتخلّف عن كونها أمارة، وهذا كالغَيْمِ الرطب أمارة على المَطَرِ، ولربما يختلف أحيانًا، ولقد تقدمت هذه الشُّبْهة في إدْرَاج كلماتنا، وذكرنا ما يدرؤها، ولكنا أردنا أن نخصّها هنا بمزيد النَّظَر فنقول: العلّة إِن فسرت بالمؤثر، كما يقوله من يقول بذلك، فلا رَيْبَ في أن التخلّف يمنع تأثيرها فيه؛ إِذ لا تأثير لها مع التخلف، وإن فسرت بالباعث - كما يقول الآمدي والمصنف - فهي في محلّ التخلّف غير موجودة، وإلا لزم أمران:
أحدهما: أن يشرع الحكم على خلاف المَصْلحة، والعقلاء في أفعال الشَّارع على قولين:
أحدهما: تعليلها بالمصالح.
والثاني: عدم التعليل.
أما التعليل بعدم المصالح، فلم يَقُلْ به عاقل.
وثانيهما: أن تكون باعثة في وقت دون آخر مع اتحاد الجهة.
فإن قلت: بل هي موجودة، ولا يلزم ما ذكرتم؛ لأن وِجْدَانها إِنما يعمل حيث لا تَعَارض، وكونها باعثةً إنما يظهر أثره حيث لا مانع.
قلت: فالعمل لها حينئذ إنما هو حيث لا مُعَارضة، والبعث إِنما هو حيث لا مانع، فليكن جزءا من العلّة، ولتنتف العلّة بهما، وإن كانت أمارة - وعليه بنى السَّائل كلامه - فمتى انتفى الحُكْم في بعض المَوَاضع لعلة، شرطنا في كونها أَمَارة انتفاء تلك العلّة، أو انتفاء