والخامس: إن نوى رفع الأخير صح، وإلا فلا، فالقول بعدم الصِّحة يشهد للتعدُّد، وإلا فلو وجد الاتحاد لصح، وكان من عيّن بعض الأحداث بمنزلة من أطلق الحدث إِطلاقًا، والقول بالصّحة لا ينفيه؛ لأنَّ من قواعد الفقهاء: أنه لا يتجرأ حدث، ذا ارتفع واحد ارتفع الآخر، فذلك لمأخذ غير ما نحن فيه.
وقد قال الآمِدِيّ (١): أما المَسّ اللَّمْس وباقي الأسباب، فالأحداث المرتّبة عليها متعدّدة على رأي لنا، وعلى هذا فلو نوى رفع حدث واحد منها لارتفع الباقي اهـ.
وظاهره: أن لنا رأيًا، أنه يرتفع المنوي دون غيره، ولا يعرف هذا عن أحد، ولو قيل به، لكان نصًّا في تعدّد الأحكام واضحًا، نعم: لنا وجه فيما إِذا نوى اسْتِبَاحة صلاة بعينها دون غيرها أنه لا يصحّ الوضوء لها فقط، وذلك لا يعكر على قاعدة الأصحاب في أن الحدث لا يتجزأ، فلذلك قال به بعضهم، بخلاف الأول.
إِذا عرفت هذا، فقد بالغ قومٌ في الرَّد على من يدعي تعدّد الأحكام.
وقال القاضي أبو بكر في موضع: إِنه ركيك جدًّا.
وقال في آخر: إِنه هَذَيان يدني قائله من جحد الحَقَائق والبداهة.
قال: فإن المعوّل فيه على أن القَتْل مختلف، وهذا معلوم الفَسَاد ضرورة؛ فإِنا نعلم أن القَتْل في الردة مجانس للقتل في القصاص، ولا يختلف القتلان في حقيقتهما، فالمصير إِلى ادعاء اختلافهما جحد الضرورة، ولو ساغ ذلك لساغ أن يقال في العَقْلِيَّات: إِن العلم إِذا قام بزيد، أوجب كونه عالمًا؛ إِذ قد تغاير المَحَلّان وتباين الذّاتان، وهذا يفضي إِلى طَيّ الحقائق، وقلب الأَجْنَاس، فاستحال المَصِير إِلى القول باختلاف القَتْل، فلا يبقى لهم - بعد ذلك - معتصم إِلا الاعتراف بعين ما أريد بهم، وهو أن يقولوا: القصاص خالف قتل المرتدّ من حيث إِنه وجب بالقَتْل، وذلك وجب بالردة.