قلنا: فالآن وضح الحَقّ، ونطقتم به، ولم تشعروا؛ فإِنا أوضحنا تماثل القَتْل حقيقة.
هذا كلام القاضي، ذكره في فصل العَكْس.
ولقائل أن يقول: هنا أمور: القتل وأسبابه من ردّة، وقَتْل، وزنا بعد إِحصان، واستحقاق القَتْل، ونحن لم ندّع التعدد في القتل الذي هو محكوم به، بل في الحكم نفسه، والأسباب مختلفة بلا شَك، والقتل متحد بلا شك، كما ذكره القاضي.
وأما استحقاقه، فنقول: إِنه متعدد، فكل سبب يقتضي استحقاقًا غير الاستحقاق الحاصل بالسَّبب الآخر، فالحاصل استحقاقات، وظاهرها يقتضي تعدّد المستحق، ولكن ضاق عنه المحل - كما قدمناه - ويكفي حصول استحقاقات شاهدًا على أن الأحكام متعدّدة.
والحاصل: أنا إِنما ادَّعينا تعدّد الأحكام، لا تعدّد المحكوم به.
واعلم أن أجمع كلام في الرد على من يدعي تعدّد الأحكام، كلام الإِمام في "المحصول"، فأذكره وأتعقّبه، فأقول: قال: الدَّليل على أن الحكم واحد أن إِبطال حياة الشَّخص الواحد أمر واحد، فهو إِما أن يكون ممنوعًا منه من جهة الشَّرع بوجه ما، فهو الحرمة، أو لا فهو الحل، وإذا كانت الحياة واحدةً، كانت إِزالتها أيضًا واحدة، فكان الإِذن في تلك الإِزالة واحدًا.
فإن قلت: الفعل الواحد يجوز كونه حلالًا من وجه، حرامًا من آخر، وحينئذ يجوز أن يتعدّد حكم الحل لتعدد جهاته، فيكون الشَّخص الواحد مُبَاحَ الدَّم من حيث إِنه مرتد، وإنه زانٍ محصن، وإنه قاتل.
قلت: حُرْمة الشيء من وجه، وحلّه من آخر غير معقول؛ لأن الحلّ هو تمكين الشَّرع من الفعل، ولا يتحقق هذا [المعنى](١) إِلا إِذا لم يكن فيه وجه يقتضي المنع أصلًا، بل ليس من شرط الحُرمة أن يكون حرامًا من جميع جِهَاته؛ لا الظلم حرام، مع أن كونه حادثًا وعرضًا، وحركة لا يقتضي الحرمة.
وحينئذ نقول: حلّ الدم على هذا الوجه يستحيل تعدّده؛ لأن هذا الإِطلاق يستحيل أن يتعدّد، والعلم بذلك ضروري. هذا كلام الإِمام.