للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمَّا الأَوَّلُ فنقول: كلُّ واحدٍ جُزءُ عِلَّةٍ، وإِنَّمَا وَجَبَ القصاص؛ لأنَّه صدر منه وصفٌ يستقلُّ بالعلية مِنْ حيثُ هو، ولم يخرجه عن الاستقلال إِلا فِعْلُ صاحبه الَّذِي لا تَعَلُّقَ له به، فلا يَدْفَعُ عنه أثرَ القِصَاصِ، ولا يُقَالُ - والحالة هذه -: أنَّهُ غير قاتل؛ لأنَّهُ أتى بفعل يُزْهِقُ الرُّوحَ، ووقع الزُّهُوق بعده، فلا فرقَ بين أن يشارِكَهُ في القابليَّةِ فعل شخص غيره، أوْ لا.

فالقِصَاصُ واجبٌ على كُلِّ مَنْ أَتَى بفعل مُزْهِقٍ وقع بعده الزُّهوق، سواء أكانَ مُسْتَنِدًا إِليه، أم إِليه وإِلى ما عَضَّدَه، إِذا كان ذلك الفعلُ كُلًّا في نفسه جزء لضميمةِ الفِعْل الآخَرِ إِليه.

والمراد بكونه كلًّا في نفسه: أنَّهُ مُزهِقٌ بنفسه "بذاته"، وهذا كلُّهُ إِذا قلنا بالمذهَبِ الصَّحيح: أن القصاص يجب على الجَمَاعَةِ بقتل الواحد، ووراءَهُ شيئان:

أحدُهُما عن أبي حَفْصِ بنِ الوكيل: إِثبات قول أن الجماعة لا يُقتلون بالواحد، والثاني: نَقَلَ [الماسرجس] (١) والقفَّالُ قولًا عن القديم: أن الوليَّ يَقْتُلُ واحدًا من الجماعةِ أيُّهُم شاءَ، ولا يَقْتُلِ الجميعَ، وعلى هذين لا معنى لِلْبَحْثِ، ولذلك إِنَّما هو على المذهب في أن الجماعة كالعَشْرَةِ مثلًا إِذا تمالئوا على قَتْلِ شَخْصٍ، استحقَّ أولياءُ المقتول دمَ كُلِّ واحدٍ منهم، أمَّا إِذا قلنا بما ذهب إِليه الحليميُّ: من أن المُسْتَحِقَّ للوليِّ العُشْرُ من دَمِ كُلِّ واحدٍ، إِلَّا أنَّهُ لمَّا لم يمكن استيفاؤه، إِلَّا باستيفاء الباقي؛ مكنَّاهُ من استيفائه فلا كلام أيضًا؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ. من الجماعة إِنَّما وَرَد فعله على عُشْرٍ غيرِ العُشْرِ الَّذِي ورد عليه فعلُ صاحبهِ، فلا يُتَخَيَّلُ هنا اجتماعُ علَّتَيْنِ على شيءٍ واحد، هذا آخر الكَلامِ على مساق الطَّريقةِ الأُولى.

وأمَّا الثَّانيةُ فنقول على مساقها: صدر قتلان، ولكنَّ المحلَّ ضاق عنهما فلم يلح في الخارج إِلا مقتول واحد، وإِن حصل القتلان، وليس في هذا مخالفة للمحسوس، وإِنما مخالفة المحسوس لو قلنا: قتل رجلان، ونحن لم نقل ذلك، والمقتول واحد بلا ريب، وإِنَّما قلنا: صدر قتلان، ولا يلزم من صدور قتلين حصول مقتولين؛ فإِنَّ حصولَ المقتولين يستدعي المحلَّ، وهو هُنا فائت؛ إِذْ ليس إِلَّا واحد، وسلوك هذه الطَّريقةِ فيما نحنُ فيه من صورة الاجتماع على القتل أوضح من الأولى، فليسلكها الفقيه، ولذلك يجبُ القصاصان،


(١) في ج: السرخس.

<<  <  ج: ص:  >  >>