حكمُ الرَّاهن إثبات يد المرْتَهن، وأمَّا العَيْنُ فخالِصَةٌ للرَّاهِنِ غير مَشُوبَةٍ بحقِّ الغير، فالعِتْقُ يلاقي العَيْنَ الحالِيَّةَ عن حقِّ الْغَيْرِ فينفذ فلم يَنْظُرِ الإمَامَان الشَّافعيُّ وأَبو حنيفة إلى معنى المالِيَّةِ، وإنَّما اعتمد على معنى قَطْعِ الماليَّةِ مالكٌ ﵀، ولم يلتفِتْ إلى عَيْن الرَّاهِنِ، وقال: ليس تعيينُهُ مقْصودًا لِنَفْسِه، بل الْغَرَضُ الوُصُول إلى المالِ، يحرِّرون عبارة فيقولون: مكلف أضافَ العِتْقَ إلى مملوكةٍ فَنَفَذَ، كما إِذا أعتق عَبْدَه المأذونُ والعبد الجاني والمكاتِب، وإِذا كان مَبِيعًا ولم يقْبِضْه، أو كان مُسْتأجرًا ثم يقولون: قولنا: "مكلفٌ" معنًى مؤثِرٌ؛ لأنَّه ينبئ عن كَمَال الحالِ وعدم الحجر وإطلاقِ التَّصرف، وذلك يقتضي صِحَّةَ التَّصَرُّف، بخلاف الصبي المَحْجُورِ عليه؛ لنُقْصَان رأيه، وكذلك قولنا: إضافة إلى ملكه؛ فإنه يُنْبِئُّ عن تمهيد المحلِّيَّة، فإِن تأثير المملوكِيَّةِ في إثباتِ المحلِّيَّة، فإِذا تقرَّرت الأهْلِيَّةُ والْمَحَلِّيَّةُ صحَّ العقدُ لهذا بسائر العقود الشرعية وسائر المحال الحِسَيَّةِ، يدل عليه أن الأهلِيَّةَ والمحلَيَّة إِذا تقررت اقتضَتْ إِطلاقَ التَّصَرُّف ما لم يمنع مانعٌ، ولا مانع هنا يقدر إلا يد المرتهن، واليد غير مُشْتَرطةٍ لنُفُوذِ العِتْقِ بدليل المكاتب والمأذُون، فإنَّهُما في بدأ نفسهما، والآبِقُ؛ إذ لا يدلُّ عليه شرعيَةٌ ولا حُكْمِيَّةٌ، وكذلك المَبِيعُ قَبْل قبضهِ، فإذا لم يشْتَرط من نفوذِ اليَدِ فلا مانع من النفوذ.
وأمَّا أصحابنا فيقولون: تصرف يُبْطِلُ حَقَّ المُرْتَهنِ من العين فيبطُل كالبَيْعِ، وهذا صحيحٌ؛ فإِنَّ حقَّ المرتهن من العين لازمٌ لا يقدر الرَّاهِنُ على إِبطاله، ولهذا لو صرَّح وقال: أبطَلْتُ حقَّك، لا يَصِحّ، وهذه جملةٌ لا نِزَاع فيها، وهي أن الحق لازِمٌ إِذا تعلَّق بعين، فلا يجوزُ إبْطالَهُ قصدًا، إِنما الشأنُ في إِثبات كَوْنِ هذا التَّصَرُّفِ مُبْطِلًا لحقِّ المرتهن قصدًا، ويدلُّ له أن الرهن حقٌّ ماليٌّ تعلَّق بالعين، ولهذا يورثُ كما يورثُ أعيان الأموالِ، وإذا كان من حقوقِ الأموال والعِتْقِ إسقاطُ الماليَّة، فإسقاطُها بحقوقِها وتوابِعِها أيضًا، فإنَّه يجبُ عليه القيمةُ لهذا المرتهن، فلولا أنه أبطل حقَّهُ لما وجَبَ ذلك، فإنَّ من تَصَرَّف في خالِصِ ملْكِهِ وتعدَّى إِلى ملك غيره لا بقَصْد لا ضمانَ عليه، كمن حفرَ بِئْرًا من خالِصِ مِلكِه، وتعدَّى ذلك إلى دار جارِهِ فانهدمَتْ لا شيء