يلزم في أطْرَافِ الكلامِ سريَانُ العِتْقِ؛ فإنَّ عتق المُعْسِر غير سارٍ على أصلِ الشَّافِعِيِّ ﵁ فهذه فائِدةٌ، وأعلى منها أَنَّ الخصْمَ قد يَتَمَسَّكُ في أطْرَاف الكلامِ في أن قيمة العبد في غَرَضِ الماليَّةِ نازلةٌ منزلةَ العبد، فليس الرَّاهِنُ المُعْتِقُ مفوتًا على المُرْتَهنِ غرضه من الاسْتِيثَاقِ بالماليَّةِ إذا أقام قيمةَ العبدِ رَهْنًا مقامه، وهو غير معترض على مَحَلِّ حقِّ المُرْتَهنِ، وهذا الفنُّ من الكلامِ لا حقِيقَة له، إِذْ ليس هو مذَهَب من يَنْقلُ عِتْقَ الرَّاهن، فإِنَّ عِتْقَهُ لا ينفذ عند من ينفذُهُ؛ لإِمْكَان إقامَةِ القِيمَةِ مقام المقومِ، بل سبب نُفُوذِه صِحَّةُ عبارتِهِ وثبوتُ ملكِهِ، فيسْتَفيدُ الفارِضُ يفرضه دفعَ هذا الكلام الواقِعِ فضلة لا أثَرَ لها، فليكن قصد المحققِ إِذَنْ فرض مثل ذلك. "انتهى". وهو واضِحٌ، فَإنَّ السَّائل إِذا سأل عن نفوذ عِتْقِ الراهن، عَمَّ سؤالهُ كلًّا من المُوسِر والمُعْسِر، فإذَا فرض المُجِيبُ الكلامَ في المُعْسِر، كان ذلك فَرْضًا صَحِيحًا، وقد يتخيَّل في هذه الصُّورةِ مَعنَيَيْن:
أحدُهُمَا: يخصُّ محلَّ الفرضِ، ولذلك اختار الفارِضُ الفَرْضَ فِيه.
والثَّاني: يعمُّ الموسِرَ، ولذلك يَصحُّ أَنْ يعمَّ الحُكْمُ الصُّورَتَيْن جميعًا، وبيانُهُ في المِثال المَذْكُور: أَنَّ الرَّاهن إِذَا نَفَذَ عِنْقُه، وهو مُعْسِرٌ، فقد أبْطَل حَقّ المرتهن من المرهون نَفْسه، وهو أمرٌ مقصودٌ، وأبطل أيضًا حقَّه من المالية، وإِبطالُ حقِّ غير المرهُونِ هي العلة العامَّةُ؛ لأنَّها تَتَناوَلُ المُعْسِرَ والموسِرَ، وأَمَّا قَطْع الماليَّةِ فيختصُّ بِها المُعْسِرَ إِذْ لا قدرةَ لَهُ على قيمةِ المرهُونِ لقيمَها مقامَه، فإذا فرض الفارِضُ الكلامَ في المعسر استفاد الأمْرين اللَّذين ذكرهُما الإمام، وقوله: وهذا الفنُّ من الكلام لا حقيقةَ له - صَحِيحٌ، لما ذكره من أَنَّ القائل بنفوذ عِتْقِ الرَّاهن - وهو الحنفي - لا يقتل بالماليَّة، فيكون أخْذُهُما في الكلام فضلة لا وَجهَ لها، واعْلَم أن لِلشَّافِعِي ﵁ أقوالًا في نُفُودِ عتق الرَّاهِنِ، أصحُّها ثالِثُها، وهو التَّفْرِقة بين المُعْسِرِ والمُوسِرِ، ولكن القولَ الذِي ينصر في كُتُب الخِلافِ هو القَوْلُ بعدم النفوذ مُطْلَقًا، وعليه ناظر الإِمَامُ في "الأساليب" وأسعد المهيني في "التعلِيقةِ" وغيرهما، والحنفية يقولون بنفوذِهِ مُطْلَقًا، والمسألةُ بينَنَا وبينَهُمْ تدور على حَرْفٍ واحدٍ، وهو أَنَّ حُكْمَ الرَّاهن ماذا؟ فعندنا حُكْمهُ تعلُق الدين بالعين، وصَيْرُروَة المُرْتَهن أحَق ببيعها، وإذا تعلَّق الحقُّ بالعين فالعِتْقُ يلاقي العَيْنَ فيمتنع، وعِندْهم