اسْتَفاض له الحُكْمُ فيه اعتبر المَسْأَلَةَ به، وهذا البناء مقبولٌ عند الجماهير، وقال بَعْضُ النَّاسِ: لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الأصْلُ متفَقًا عليه بين الخَصمَيْن،، وليس بشيءٍ.
والصُّورة الثَّانية: أن تكونَ فرعًا لمسألة لا نصَّ فيها، ولا يسلِّمها الخَصْم، فيفتقر المسْتَّدِلُ إلى اعتباره بغيره، ثُمَّ اعتِبَار مسألة النِّزَاع به، فقد اختلفوا في صِحَّةِ هذا، وَالَّذِي أراه أَنَّه صَحِيحٌ، وللمستدِلِّ التَّوَصُّل إلى غرضِهِ بكلِّ طريقٍ، فإِنْ سلمت، وإلَّا قَامَ عليهما دليلهُ.
وقوله: ولستُ أَرَى للبِنَاء وجْهًا، يريد أَنَّ المسْتَدِل لو أخَذَ جانبَ البِنَاء، فلا يجد به نَفْعًا، وَدَلَّ عليه بما أشَارَ إِلْيه من أن الضَّمان لو ثَبَتَ إنَّما يستقرُّ على المُكْرَه بفتح الرَّاءِ، فلا يَصِحُّ أن يبْنَى عليه عدم القرارِ على المُخْتَار الطَّاعِمِ. هذا كلامُ الإمَامِ، والمذْهَبُ الصَّحِيح: استقْرَارُ الضَّمَان على المُكْرِه - بكسر الرَّاءِ -، وهو الآمر لا المأمور، وقد ذكرنا هذا فيما تقدَّم، وما ذكره في حق أبي حنيفةَ لا يختصُّ به، بل يعُمُّ كلَّ من قال بمقَالَتهِ، وهو وَجْهٌ عندنا أَعنى: أَنَّ الضَّمان يجِبُ على المتلِفِ للمال، وإن كان مُكْرَهًا دون الآمِرِ المُكْرِهِ، وقد قدَّمنا حكايَتَه، وقولُ الإِمَامِ: لا اختيار له، فكيف يوجِبُ عليه الضَّمان؟! لك أَنْ تَقُولَ: ليس العِلَّة من انتِفَاء الضَّمَان مجرّد كَوْنه غير مُخْتَارٍ، بل عدمُ الاخْتِيَار مع أَنَّ الفِعْلَ مباحٌ له، وإلَّا فالمأمُور بالقَتْل عليه القِصَاص، وإنْ كان مُكْرَهًا، ثمَّ قولك: لا اختيارَ لَهُ رُبَّما يُفْهَم منه سَلْبُ القُدْرةِ بالكُلِّيَّة، وتنزيلُ الشَّخْص منزلةَ الآلة بالكُلِّيَّة، كما لو حُمِل الشَّخْصُ وأُلْقى على مال رجلٍ فأتلَفَه، وهذا لا يقول أحدٌ بصلاحيته للضَّمان، وإنَّما الكلامُ في المُكْرَهِ على الإتْلاف، وليس هو آلة من كل وجْهِ، ولا نعلم أحَدا ذَهَبَ إلى ذلك؛ وأمَّا ما نَحْنُ فيه فلا إسَاءةَ فيه، كيفَ ونحن نُوجِبُ ضمان المُتْلفات على النَّائِم والغَافِل وهو أبْعَد عن الاخْتِيَار من المُكْرَهِ؟ ثُمَّ قال الإمامُ ﵀: ونحن نَعْرِضُ صورةً من الفرض المُسْتَحْسَنِ يَتبَيَّنُ بها قصَارَى المقْصُودِ، فنقول: إذَا سألَ السَّائِل عن نفود عِتْقِ الرَّاهن، فَسُؤَالُهُ يعمُّ المُعْتِقَ المعسِر، والموسِرَ، فإذا رَأى المسئول فَرْضَ الكلامِ في المُعْسِر فمحمل كلامِهِ ينْدَرجُ تحت سُؤال السَّائِل، والفارِضُ يستفِيدُ بالفَرْض في المُعْسِر أمرين:
أحدهما: دفعُ أَسْئِلة قد يَعْتَاص الجوابُ عنها على البكْم الذي لا تُطَاوِعُهُ العِبَارَةُ؛ فإنَّ من أسْئِلةِ الخصْمِ سريانَ العِتق إلى ملْكِ الشريكِ، فإذا كان يسْرِي سُلْطَانٌ إلى غير ملك المُعْتِق، فقد يبعد بنُوهُ عن محَلِّ ملكه مع صِحَّةِ عبارته، وإذا وقَعَ الفَرْضُ في المُعْسِر، فلا