للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَحَدُهُمَا: المنع، وهو ما ذكر الرَّافعي أَنَّ الإِمام وغيره مال إِلى ترجيحه، وأَنَّهُ قياس مسائل التَّغرير، وعبر عنه النَّوَوِيُّ في متن "الرَّوْضَةِ" بلفظ الأَظْهَرِ، وعلى هذا سقط السُّؤَال.

والثَّاني: الوُجُوبُ.

قال الرَّافِعِيُّ: ورجَّحَهُ الرّويانِيُّ وغيره، وعلى هذا فلعلَّ الفرقَ أَنَّهُ لو لم يوجب القِصَاصَ فأَتت النَّفْسُ الَّتي يجبُ فيها القِصَاص، وذهبت من غير قِصَاصٍ، وآل الأمرُ إِلى أَنَّ مَنْ يريدُ قتل شخصٍ يغره، ويدبر بذلك القِصَاصِ عن نفسه، فأوجبنا لذلك القِصَاصِ، وهذا لا يتأتى في إِتْلافِ المال؛ فإِنَّهُ إِذا لم يجب على الغَارِّ؛ وجب على المغرور، فلا يضيعُ المالُ على وجه صاحبه، وهنا لا سبيل إِلى أَنْ يجب للمقتول على نفسه القِصَاص، ولا إِلى ضياعها مع وجود مَنْ يمكن الحوالة عليه، واعتدائه بإِتْيَانِهِ بفعل يوقع في الهَلاكِ غالبًا كالإِكراه، وهو التغْرير، ولهذا المعنى ضعف ينزلها عن درجَةِ السَّبب، فلاحَ لك بهذا أن المكرِهَ - بكسر الراء - أشد حالًا من المكرَه بفتحها، ولمَّا شارك المأمور في باب القِصَاصِ في الإِثْم ألحقْنَاه به في إِيجَاب القِصَاص، ولمَّا فارقه في الإِتلافَاتِ حيث أُبيحَت له، لم يلْحَقْه به في الضَّمَان، نحن مضطَرون إِلى عدم إِلحاقِهِ أيضًا؛ إِذ إِلحاقُهُ به في قرار الضَّمَان يؤدِّي إِلى إِيجاب عِوَضَيْن عن معوَّض واحد، بل ولم يلحقْهُ به من أصل المُطَالبَةِ على وجه ذَهَبَ إِليه بعض أصحابِنَا، قال: لأنَّه أقدم على مُبَاح له، فكيف تتَّجِهُ مؤاخذته والطلبة؟! فَسَّرَ القائل الأوَّل من فوات النَّفْس مجَّانًا؛ وقال: تجب الدِّية على الأصحِّ، وإِن قلنا: لا يجب القِصَاصُ؛ خَوْفًا من فوات النَّفس مجَّانًا، فإِن قلت: فالصَّحِيحُ أنَّه إِذا قدمَ الطَّعَام الْمَغْصُوب إِلى مالِكِه، فأكله جاهِلًا يبرأ الغاصِبُ من الضَّمَان، وهذا تَفويت لمال المالك من غير بَدَل.

قلت: لأنَّه انتفع وأكله، وذلك هو الْبَدَل، فأنَّى يستَوِي هذا والمغرورُ بقَتْل نفسه؛ وقد أَطَلْنَا فيما هو كالدَّخِيل فيما نَحْنُ فيه، فلنَعُدْ إِلى ما كُنَّا بِصَدَدِه من النَّظَر في كلام الإِمَامِ فنقولُ: وأَمَّا قوله: "وَمَهْمَا تعرَّض المجِيب إِلى آخِره" فمرادُهُ أَنَّهُ إِذَا تَقَرَّرَ أن من سُئِل عن ضمان المغرُورِ، فأخذ صُورَة الإِكراه، وفرض الكلام فيها - لم يكن كلامُهُ في صورة يشْملُهَا محلُّ السُّؤال، وإِنَّما ذلك بناء، والبناءُ هو أَنْ يأخذ المجيب صورةً لا يَشْمَلُها محلُّ السُّؤَال، ليبنيَ عليها موضعَ السُّؤَال ويتوصَّل بتقريرها إِليه يُسمَّى مَنْ فعل ذلك بانيًا وممهدًا ويسمى الفعلُ بناءً وتمهيدًا، وللبناء صورتَان:

إِحداهما: أنْ يكون محلُّ النِّزَاع فرعًا لمسألةٍ منصُوصٍ عليْهَا، فيفتقر المُسْتَدِّلُ إِلى فرض الكلام في الأصْل الَّذِي يُعْتبر محلُّ النِّزَاع به، فإِذَا نُوزع فيه أسنده إِلى التَّوقُّفِ، فإِذا

<<  <  ج: ص:  >  >>