وجه، بل وصل به إِلى المُسَاوَاةِ في أصل وُجُوبِ القِصَاصِ، لا في أَنَّهُمَا بالنِّسْبَةِ إِليه على حدٍّ سواء، فافْهَمْ ما يلقى إِليك!. وإِذَا عرفت ذلك فَلَمَّا كانت مؤاخذة كلٍّ من المُكْرِهِ والمكْرَه بالقِصَاصِ ممكنة؛ لأَنَّ من أصولنا قتلَ الجَمَاعَةِ بالواحد عند الاشتراك، وهذان كالمشتركين، وهما آثمان - أوجبنا القِصَاصَ عليهما، وهذا لا يتأتى لنا في ضمان المتلفات؛ لأَنَّهُ لا سبيل إِلى إِيجَابِ بديلين عن متلف واحد، فَأَوْجَبْنَا بدلًا واحدًا، ومكّنا صاحبه من مطالبة كُلٍّ منهما، ولكن جعلنا القَرَارَ فيه على واحد ثُمَّ نظرنا، فوجدنا المباشرة فيه في مسألة التَّغرير مختارًا، وقد اتَّصلت به المنفعة، فَأَلْقَيْنَا عِبْءَ القرار عليه، وما ذلك إِلّا لأَنَّ حقيقة المباشرة تغلبُ حقيقة السَّبَبِ، ولم يعارضها هنا ما يصيرها مغلوبة، ولو أَنَّ المباشر مُكْرَهٌ لا اختيار له: كمن أُكْرِهَ على إِتلاف المال، لكان القرار على المكره المتسبب؛ لضعفِ المباشرة بالنِّسْبَةِ إِليه جدًّا، فإِنَّهُ إِذَا أكره أنتج له الإِتلاف، وضعفت مباشرته مؤاخذة، وما أبديناه هو الصَّحِيحُ في المذهب، ووراءه خلاف لا يخفى، وأخذه إِذَا فهم ما قَدَّمْنَاه، فعن القاضي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ الضَّمان في مسألة الإِكراه على الإِتلاف، فيقرر عليهما، وأَنَّهُمَا يجعلان كالشَّريكين كما في الإِكراه على القتل، وفي وجه آخر أَنَّ الضَّمَانَ على المكره المتلف دون المتسبب بخلاف القِصَاصِ؛ فإِنَّهُ عظيم الخطر، فأوجزنا فيه كلًّا منهما، ولنا قول مشهور في مَسْأَلَةِ الغرور أَنَّ الضَّمَانَ يستقرُّ على الغار، وهو ما عزاهُ الإِمَامُ إِلى الشَّافِعِيِّ كما عرفت، وناظر عليه في كِتَابِ "الأَسَالِيبِ" مع اعترافه فيه بأَنَّ ظاهر القياس مقابله، فإِنْ قُلْتَ: إِذَا مهدتم في التغريرات القرار على الطَّاعم، فلم قلتم فيمن غَرَّ بحريَّةِ أَمَة: إِنَّ قرار قيمة الولد على الغار هذا هو المَذْهَب الصَّحِيح؟
قُلْتُ: لأَنَّ الزَّوْجَ لم يوجد منه شَيْءٌ إِلا التَّسَبُّب إِلى وجود الولد، فَأَمَّا انعقادهُ حُرًّا فمن أثَرِ الغُرُورِ المحضِ، فكان الرُّجُوعُ على الغَارِّ به، بل لنا قول حَكَاهُ الحناطيُّ أَنَّهُ لا يطالب المغرور أصلًا؛ لأَنَّهُ معذور، وَأَمَّا على صورة الغُرُورِ بِالطَّعَامِ لِلضَّعِيفِ، فَالْغَاصِبِ، وإن غَرَّ، ولكن المتلف الضّيف، فكان الغار متسببًا والضّيف مباشرًا، والمباشرة تغلب السَّبَب هنا كما قدّمته، فإِن قُلْتَ: لو قدمَ الطَّعَام المسمومَ، أو دعا الضَّيْف إِلى داره وفي دهليزها بِئْر، الغالب أَنَّ الدَّاخِلَ يمرُّ عليها إِذَا أتَاهُ؛ فأكل، أو أَتَاهُ غير عالم بالحال هل يجب القِصَاص، فإِن قلتم بالوُجُوبِ، فقد قدَّمتم السَّبَبَ على المباشرة؛ لأَنَّهُ الَّذِي باشر هلاك نفسه، ومع ذلك أوجبتم القِصَاصَ على الغارِّ؟ قُلْتُ: في ذلك قولان: