للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الخلافيَّاتِ نصروا هذا القَوْلَ مع اعترافهم بصَّحةِ مقابلته، ومرادهم بنصرته ما ذكرناه، وينبغي أَنْ نقرّ عبارة الإِمام هنا في قول الشَّافِعِيِّ، ويكونُ لفظ "قول" منونًا مع التنكير، ولعلَّهَا عبارته، وإِنَّمَا الأولى من اللَّامين في قولنا: للشَّافِعِيِّ افترقت مع أختها، فتوهمت الفاء، وقد شرح ابن الأنباري شارح "البرهان" المسألة على أَنَّ مذهب الشَّافِعِيِّ أَن الغرار على المقدّم، وليس كذلك، وإِنَّمَا هو قول ينصر في كتب الخلاف للبحث، ويتبين أنَّهُ منقاسٌ على الجملة، وقد نصره الإِمامُ في "الأَساليب" مع تصريحه ثَمَّ بأن ظاهِر القِيَاسِ خلافه، وإِذا قرأت عبارة الإِمام في "البرهان" على ما ذكرناه جريت على سبيل الحقِّ عند أصحابنا، فإِنْ قلت: فقد وافقتم أَبَا حنيفة في النَّظَرِ إِلى المُبَاشَرَةِ دون السَّبَبِ.

قُلْتُ: أبو حنيفة كما قدَّمْنَاهُ يجعل المتسبب كالآلة، ونحن لا نوافقه في هذا؛ إِذْ هو مَأْثُومٌ ومطالبٌ أيضًا وإِن لم يكن الغرار عليه، ويجبُ عليه القصاصُ كما يجب على المكره. فإِنْ قُلْتَ: فلكم قولان في إِيجَابِ القصاص على المكرَهِ - بفتح الرَّاء - مشهوران وإِنْ كان أَصَحَّهُمَا الوجوب، والمذهب إِيجابه على المكره بكسرها، وفيه قول ضعيف جدًّا أضعف من القول بعدم الإِيجَابِ على المكرَه بفتح الراء، وهذا منكم تقديم للسَّبَبِ على المباشر. قُلْتُ: المباشرةُ والسَّبَبُ إِذَا اجتمعا، فقد تغلب المباشرة على السَّبَبِ بأن رَمَاهُ من شاهقٍ، فتلقَّاهُ رجل بالسَّيْفِ، وقدَّهُ نصفين وهنا يصير السَّبَبُ مغلوبًا، وتختص المباشرةُ بالقصاص، وقد ينعكس الحال فتصيرُ المباشرة مغلوبة، وذلك بأَنْ تخرجها عن كونها عدوانًا مع توليده لها مثل: إِنْ شهدوا عليه بما يوجبُ الحَدَّ فقتله القاضي، أو جلده، فالقصاصُ على الشّهُودِ فقط، وقد يتعادلان كالإِكْرَاهِ، فالقصاصُ عليهما على المذهب، والسَّبب أولى هنا بوجوب القصاص وإِنِ اشترك في أصل الوجوب، وإِنَّمَا كان السَّبَبُ هنا أولى؛ لصيرورة المباشرة معه كالآلة.، فضعيف بالنِّسْبَةِ إِليه، وإِنْ لم يكن كالآلة مِنْ كُلِّ وجْهٍ؛ بدليل قيام الإِجْمَاعِ على أَنَّهُ مأثوم، وأيضًا فإِنَّهُ قدم هوى نفسه وإرادة بقائها على نفس غيره مع اشتراكهما في أصل العِصْمَةِ، وكان من المستحسن المأمور به بذلها والحالة هذه، فَلَمَّا لم يفعل ذلك نَاسَبَ مؤاخذته، فالقَائِلُ بأَنَّهُ لا يجب عليه القِصَاصُ صيره كالآلة من كُلِّ وجه، والحقُّ خلافه لما ذكرناه، ولكنَّهُ تقاعد عن رتبة الأمر، ولولا أَنَّ حقيقة المباشرة من حيثُ هي مقدّمة على حقيقة السَّبَبِ من حيث هو لما ساويناه به، فهو إِن تقاعد عنه بالوجه الَّذي أبديناه، فقد ساواه من هذا الوجه، ولم يصلْ به هذا الوجه إِلى أن يُسَاوِيه من كُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>