المباشرة فقه إِذِ السبب أضعف، ولكن مصيره إِلى أن المكره كالآلة ضعيف مع توجه النَّهي نحوه، إِذَا عرف هذا المأخذ فقال أَبُو حَنِيفَة: الآكلُ يضمنُ لمباشرته، ولا ضمان على الضار؛ لأَنَّهُ متسبب، وقال الشَّافِعِيُّ: الضَّمَانُ على المقدم الضار، فإِنَّ التَّغرير من أسباب الضَّمان، فإِذا سُئِلَ الشَّافعيُّ عن ضمان المغرور، وقضى بأَنَّهُ لا ضَمَانَ عليه فطولب بالدَّلِيلِ فقال: أفرض الكلام في المكره، فهذه الصُّورَةُ لا تَصْلُحُ للفرض، فَإِنَّا قد بَيَّنَّا أَنَّ الفرض إِنَّمَا يكونُ عند شمول السُّؤال صورًا يفرض المجيب الكلام في بعضها لغرض له في ذلك.
أَمَّا إِذَا كان الَّذي فرض الكلام فيه ليس يندرج تحتَ سؤال السَّائل، فهذا انتقالٌ إِلى مسألةٍ أخرى، وإِضراب عن محلِّ السُّؤال، وذلك لا يقعُ في أبواب الفرض بحال؛ لا يقال: إِنَّ الإِضراب عن السُّؤَالِ لا يتحقَّقُ؛ فإِنَّ المكره يصحُّ أن يعتقد أَنَّ الطَّعَامَ ملك المكره، ويكون أَيْضًا مغرورًا، وإِذا صَحَّ أن يكون مغرورًا؛ فقد اندرج تحت السُّؤَالِ؛ فإِنَّ السؤال: هل يضمن المغرور [أَوْ لا؟ لأَنَّا: نقول المفهوم من المغرور](١) أَنَّهُ لم يدعه إِلى الإِقدام على الأَكْلِ إِلَّا الضَّرورة، ومن ضرورة الاغترار بقاء الاختيار، والاختيار يُنَافِي الإِجْبَارَ، وهذا لا يتحقَّقُ معه الاغترار فإِنْ فرض من المكره ظَنّ على بعد؛ فليس هو الحامل على التَّنَاوُلِ، وَإِنَّمَا جاء أمرًا اتفاقيا لا أثر له في الحُكْمِ بحالٍ، وإِلى هذا أشار الإِمَامُ بقوله: وإِنْ فرض منه ظنّ؛ فليس ذلك الاغترار المعتبر، وإِذا لم يصحّ أَنَّهُ مغرور غرورًا حمله على التَّنَاوُلِ تعيَّنَ أَنَّ الحامل الإِكراه، وهو مفقود في المغرور، فلا يلزمُ من سقوط الضَّمَانِ عن المكره سقوطه عن المختار ذي الغرر، فلا يصحّ أن يقع هذا في أقسام الفرض بحال؛ إِذِ الفَرْضُ المستحسن توجه الكلام نحو طرف يدخلُ تحت سُؤَالِ السَّائِلِ كما عرفت. هذا تقرير كلامه إِلى قوله: ومهما تعرض المجيب.
واعْلَمْ أَن المذهب الصَّحيح المشهور في الجديد أَنَّ قرار الضَّمَانِ في مسألة التغرير على الآكل دون المضيّف على خلاف ما ذكره الإِمام، ولكن جرت عادَةُ أصحابنا في مسائل الخلاف أَنْ ينصروا القولَ المرجوح إِذَا كان الخصم يدعي أَنَّهُ في غاية السُّقُوطِ تبينا لقوله على الجملة، وأَنَّهُ منقاس وإن كان الأَصَحُّ مقابله، ومرادهم بهذا تأييد أقوال الشَّافِعِيِّ وأنها جميعًا جارية على منهاج القياس، وإن كان بعض الأقيسة أجلي وأوضح من بعض، وأَنَّهُ ليس في أقواله ما يدرؤه النَّظَرُ بالكليَّة ويسجل عليه بضعف البصيرة فيه، وكذلك في كُتُبِ