قلنا: هو وإن لم يكن، ولكن لما كان مبَيَّنًا به الجامع الذي هو العلّة، وظهر لنا أنّ الحكم كان مستندًا إِليه، فيلحق به ما اشتمل عليه.
وقد توسّعت الحنفية في أصلهم هذا، أعني: دَعْوَاهم ثبوت الحكم بالنَّص، وبالغوا فقال بعضهم: كما يثبت الحكم في الأصل بالنَّص ثمّ يستخرج منه معنى تعدّي إلى الفرع، وإن كان الحكم لم يثبت بذلك المعنى، بل يثبت بالنص - كذلك يجوز ذكر علّة في الأصل لا يثبت بها الحكم فيه، وتعدّى إلى الفرع، مثل قولهم: الشَّهَادة على السَّرقة لا تقبل عند تقادم العَهْدِ؛ لأنه حد من حدود الله تعالى، فأشبه الزِّنَا، حيث لا تقبل الشَّهَادة عليه عند تقادم العَهْد، وليست العلّة في الأصل هذا.
وإنما العلة فيه: توهم الطَّعن في شهادتهم؛ لأنهم لما لم يشهدوا، فقد اختاروا السّتر، فإذا شهدوا بعد ذلك، فالظاهر أن الحامل لهم على ذلك ضِغْن في القلب، وهذا لا يوجد في البَيّنة على السرقة، فإنه لا بد من الدَّعْوَى فيها، فقاسوا السّرقة على الزنا بغير المعنى الذي ثبت به الحكم في الأصل.
وقال أصحابنا: التعليل بمثل هذا باطل؛ لأن إِقامة الدليل على صحّة العلة لا بد منه، ولا يمكن إِقامة الدليل على صحّة هذه العلة؛ إِذ لا تأثير لها، فإنه إِذا لم يكن الحكم ثبت في الأصل بها، فكيف في الفرع؟
وهم يقولون: الأصل لا يثبت فيه الحكم بالعلة كما عرفت.