الحاكم في الحقيقة هو النَّاصّ، والنَّصّ من العبارات الدَّالة على ما في النَّفس.
وإن أرادوا أنه عرفه، وهو إِنما يعرف من عرف منه.
أما من عرف من العلّة فلم يعرفه، كما قررناه، وربّ عارف من الأمرين جميعًا عند من يتعلق بعلّتين، وكما أن النَّص عرفنا الحكم النفسي، كذلك عرفنا أن العلة تعرف الحُكْم النفسي أيضًا.
والفرع والأصل جميعًا بالنسبة إلى الحكم النفسي سواء، وإنما أوجب لأحدهما أن يسمى أصلًا وروده على لسان الشرع كما ذكرناه.
فإن قلت: فهل الخلاف لفظي، كما في الكتاب؟
قلت: لا، بل يترتب عليه فوائد كثيرة، لولا طَلَبي الاختصار في هذا الشرح لأَوْقَفتُكَ منها على العَجَب العُجَاب.
ومن أدناها: التعليل بالقاصرة، فمنعوه لذلك؛ فإنهم يزعمون أَنْ لا فائدة فيها، وأن عرفان الحكم في الأصل واقع بالنص، فلا تُجْدِي هي شيئًا، ونحن نُجَوّزه، ونذكر من فوائدها تعريف الحكم المنصوص أيضًا.
ومنها: أنه هل من [شروط](١) العلّة ألا يكون ثبوتها متأخرًا عن ثبوت حكم الأصل؟ نحن نشترط ذلك، ونقول: لو تأخّر لكان الحكم في الأصل ثابتًا بلا مثبت؛ لأن مثبته العلة، أو يلزم أن يكون تعبدًا، ثم انقلب معقولَ المَعْنى، وهذا لا يضر؛ فإن المعنى كان موجودًا وقت ثبوت الحكم، فإن صلح لأن يتعلّق به ثانيًا، فقد صلح أولًا.
فإن قلت: إذا فعله الشَّارع كان منصوصًا، والكلام في المُسْتَنْبطة، والخصوم لا يشترطون ذلك؛ لأن حكم الأَصْل ثابت عندهم بالنَّص، وهو موجود إن لم توجد العلّة، ونحن بعد هذا نلزمهم إيجاب النية في الوضوء.
فنقول: عِبَادَةٌ تستباح بها الصلاة، فتتعين لها النية كالتيمُّم.
فإن قالوا: حكم التيمم كان بعد الوضوء؛ لأن آية التيمّم إنما نزلت بعد الوضوء، فلو قِسْتُم الوضوء عليه لقستموه على أصل لم يكن وقت وجوب الوضوء.