للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإفْسَادِ، لَا تَعْلِيلٌ لِمَنْعِ الإفْسَادِ؛ إِذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُتَخَيَّلُ مَانِعًا، بَلْ غَايَتُهُ أَلَّا يَفْسُدَ.

فيه من التقدير في النَّظير، والحديث رواه أبو داود، والنسائي، وضعفه أحمد.

وقال النسائي: إنه منكر، ولفظه "أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ مِنَ المَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ "، قال عمر: قلت: لا، قال: "فمه" (١).

ووجه كونه مثالًا لما نحن فيه: أنه ذكر الوصف في نظير المسئول، وهو: المَضْمَضَة التي هي مقدّمة الشرب، ورتب عليه الحكم، وهو عدم الإفساد، ونبّه على الأصل، وهو الصوم مع المَضْمَضَة، والفرع، وهو الصوم مع القُبْلة، فيكون من ذلك.

"وقيل": ليس مما نحن فيه، و"إنما هو نقض لما توهّمه عمر من إفساد مقدّمة الإفساد" أي: إِفساد القُبْلة التي هي مقدمة الجِمَاع، الذي هو مفسد فإن عمر توهّم أن القُبْلة تفسد كما يفسد الجِمَاع، فنقض الإِفساد؛ "إذ ليس فيه" أي: التمضمض بالماء "ما يتخيل" أن يكون "مانعًا" من الإفساد، فإن التمضمض إِن لم يصلح مفطرًا، فأقلّ أحواله ألا يكون مانعًا من الفِطْرِ، وإليه أشار بقوله: "بل غايته ألا يفسد"، أي: غاية المضمضة ألا تكون مفسدة للصوم، ولا ينتهي حالها إلى أن نمنع الفطر، كالأبوّة في القِصَاص - وحينئذٍ - فلا تصلح أن تكون علّة لعدم الفطر، فلا يصح ما ذكر مثالًا لما نحن فيه.

وهذا كلام موجه، قاله الآمدي (٢)، ولكن الأول هو قول ابن السَّمْعَاني، والغزالي، والإمام، وغيرهم من المحققين، وكلهم قد مثل به.

وقد رد الهِنْدِيّ كلام الآمدي فقال: في قوله : "أرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ ثُمَّ مَجَجْتَهُ": تنبيه على الوصف المشترك بين المَضْمَضَةِ والقبلة، وهو عدم حصول المقصود منهما، وذلك صالح للعلّية، وإن لم يكن مناسبًا لعدم اشتراط المُنَاسبة في الوصف الموميء إِليه.

وعندي في هذا نظر؛ فإن هذا لو تم، لزم أن يحال عدم الإِفطار على وجود القُبْلَةِ


(١) ينظر: التخريج السابق.
(٢) ينظر: الإحكام ٣/ ٢٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>