للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ: إِن قَوْلَهَ لمَّا سَألَهُ عُمَرُ عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ: "أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ [ثُمَّ مَجَجْتَهُ]، أكَانَ ذَلِكَ مُفْسِدًا؟ " فَقَالَ: لَا" مِنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: إِنَّمَا هُوَ نَقْضٌ لِمَا تَوَهَّمَهُ عُمَرُ مِنْ إِفْسَادِ مُقَدِّمَةِ

أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ، أكَانَ يَنْفَعُهُ؟ قالت: نعم (١)، فنظيره في المسئول كذلك".

"وفيه تنبيه على الأصل"، الذي هو دين الآدمي على الميت، "والفرع" وهو: الحج الواجب عليه، "والعلة" وهي: قضاء دين المَيّت، فقد جمع فيه أركان القياس كلها، وحديث الخَثْعَمِيَّة ثابت في الكتب السّتة، ولكنه ليس بهذا السّياق، نعم في ابن ماجه: أن امرأة من خثعم، قالت: يا رسول الله إِن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يركب، أفأحجّ عنه؟، قال: "نَعَمْ؛ فإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْن فَقَضَيْتِهِ (٢)، والغرض يحصل بهذا السِّياق أيضًا.

وفي "الصحيحين": جاءت امرأة إِلى رسول الله فقالت: يا رسول الله إِن أمي ماتت وعليها صَوْم نذر، أفأصوم عنها؟ فقال: "أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ، أكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا؟، قالت: نعم، قال: "فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ" (٣).

الشرح: "وقيل: إن قوله لما سأله عمر عن قبلة الصائم: "أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ أكَانَ ذَلِكَ مُفْسِدًا؟ "، فقال (٤): لا" من ذلك، أي: من أمثلة ما نحن


(١) أخرجه البخاري (٤/ ١٩٢) كتاب الصوم، حديث (١٩٥٣)، ومسلم (٢/ ٨٠٤) حديث رقم (١٥٥/ ١١٤٨) من حديث ابن عباس.
(٢) فقد ألحق النبيّ حج البنت عن أبيها العاجز بقضائه دين الآدمي عنه في الإجزاء أو الوجوب، بجامع أن كلًا منهما تفريغ البنت ذمة أبيها العاجز عن الدين، وهذا قياس أولوي أيضًا، وإن لم يصرح في الحديث بما يقتضي الأولوية.
(٣) فقد ألحق النبيّ قضاء البنت دين الله عن أمها المتوفاة بقضائها دين الآدمي عنها في القبول أو الوجوب بجامع أن كلًّا منهما تفريغ ذمة الأم المتوفاة عن الدين، وهو قياس أولوي، لأن الله أحق بالوفاء من الآدمي، فتفريغ الذمة عن دينه أحق بالقبول أو الوجوب من تفريغها عن دين الآدمي.
(٤) أخرجه الدارقطني ٤/ ١٥٧، وله ألفاظ. ينظر: تلخيص الحبير ٤/ ٣٩، ٢٠٨، ونصب الراية ٤/ ٩٥، ٩٦، ٣٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>