للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

واعترض ابن الأَنْبَاري (١) أولًا: بأنه قياس في الأُصُول، فلا يسمع.

وثانيًا: بمنع إِثارة الظَّنِّ، ودعوى العناد لا تنهض حجة.

والثاني: أنه لو لم تَخلُ واقعة عن حكم، قالوا: ومن مارس مسائل الفِقْهِ، وترقى عن رتبة الثَّنَائي فيها، علم أنَّ المعنى [المخيل] (٢) لا يعم المسائل، وكثير من أصول الشرع تخلو عن المعاني، خصوصًا في العبادات وهيئاتها، والسِّيَاسات ومقاديرها، وشرائط المُنَاكحات والمعاملات.

قال إِمام الحرمين: بل لو قلت: لا يطرد على الأخالة عُشر المَسَائل، لم تكن مجازفًا.

وإذا لم يعم المسائل احتجنا إلى قياس الشبه، ولا يلزمنا الطرد؛ لأنا في غُنْيَةٍ عنه، إذ هو منسحب على جميع الحوادث، "فلم يكن من داعٍ إلى الطرود، فوضح أن القول بالشبه في محلّ الضرورة، ولولا الضَّرورات لما شرع أصل القياس، وهذا واضح؛ فإِن القياس إِنما شرع لعدم وفاء النصوص بالحادثات.

وقال ابن السَّمْعَاني في آخر قياس الشّبه: الأول بذل الجهد في طلب المعنى، وزعم أنّ باذل الجهد فيه نجده لا في أفراد من المسائل وردت بها نصوص، وأجمعت الأمة على تقربها من المعاني، قال: فأما عامة الأَحْكَام، فالشارع الحكيم لم يخلها من المعاني المؤثرة في تلك الأحكام، فإن أعوز المجتهد وجود المعنى، فحينئذٍ يرجع إلى الشّبه.

قلت: وهذا لا نزاع فيه؛ إِذ لم يقل أحد بالشّبه إِلَّا عند تعذُّر قياس المعنى، وهذا في الحقيقة قول من قال: إنما يرجع إلى الشبه عند إرهاق الضرورة، والله أعلم.


(١) عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن أبي سعيد، كمال الدين، أبو البركات، ابن الأنباري، النحوي، ولد في ربيع الآخَر سنة ٥١٣ هـ. تفقه بـ"بغداد" بالنظامية على أبي منصور بن الرزاز، وأخذ العربية، واللغة عن الجوالياقي، وبرع حتَّى صار شيخ العراق. من تصانيفه: "الانتصار" و"أخبار النحاة" و"الجمل في علم الجدل" و"ديوان اللغة" وغيرها. توفي في شعبان سنة ٥٧٧ هـ. ينظر: الأعلام ٤/ ١٠٤، ووفيات الأعيان ٢/ ٣٢٠، وفوات الوفيات ١/ ٢٦٢ وطبقات السبكي ٤/ ٢٤٨، وابن قاضي شهبة ٢/ ١٠، والبداية والنهاية ١٢/ ٣١٠.
(٢) في أ، ت: المختل.

<<  <  ج: ص:  >  >>