الشرح: واحتجّ "الموجب" للعمل بالقياس عقلًا، بأن "النَّص لا يفي بالأحكام"؛ أذ الحوادث لا تنتهي، والنّصوصات محصورة، والأصل المنسحب على الوقائع بأجمعها الكافل بالوفاء بها هو القياس، "فقضى" فيه "العَقْل بالوجوب".
"ورد: بأنَّ العمومات يجوز أن تفي، مثل: كلّ مسكر حرام".
ولقائل أن يقول: جواز الإِتيان بلفظ عامّ لا يمنع، ونحن لا نمنع في قضية العَقْل أن يقول الله سبحانه: كلّ ما لا تجدون فيه نصًّا بخصوصه، فحكمي فيه كذا وكذا، فلا يصلح قولكم: العُمُومات يجوز أن تفي ردًّا، إِلَّا على من يدعي أنه يتعذّر الإِتيان بلفظ يعمّ ما لا يتناهى، وذلك لم نقله.
إِنما الذي ادّعيناه أن النصوصات الموجودة بين ظَهْرَانينا لا يمكن وَفَاؤها بالحوادث؛ إِذ ليس فيها لفظ عام فيما لا يوجد عليه نصّ بخصوصه، فاحتيج إلى القياس.
قال ابن السَّمْعَاني وغيره: ونحن نعلم بطريق القَطْعِ وجود حوادث لا تدلّ عليها النصوص بوجه ما.
وقال إمام الحرمين: من أنصف لم يشكل عليه إذا نظر في الفَتَاوي والأقضية أن تسعة أعشارها صادرةٌ عن الرأي المَحْض، ولا تعلّق لها بالنصوص ولا بالظواهر.
فإن قيل: يستصحب الحال فيما لا دليل فيه، ولا يحتاج إِلى القياس.
قلنا: قد عُرِفَ ما في ذلك، وعلى أنا نقول: اسْتِصْحَاب الحال في العقود مع الاختلاف متعذّر متناقض.
قال ابن السَّمْعَاني: لأنَّهُ ما من حكم يستصحب فيه لإثباته، إِلَّا ويعارضه ما يوجب نفيه؛ ألا ترى أنه إذا وقع الاختلاف في فسخ النِّكَاح بالعَيْب، فالاستصحاب من أحد الجافبين يوجب الفَسْخ، ومن الجانب الآخَر يمنعه، وكذلك الجَارِيَةُ الثيب يَطَؤُهَا المشتري، ثم يجد بها عيبًا، ويريد ردّها، فإِن الاستصحاب في أحد الجانبين يوجد الرد دون الآخَر، فثبت أن الضرورة إلى مشروعية القياس متحقّقة، نعم القول بإِيجاب المعقول باطل؛ لما تقرر في قاعدة التَّحسين والتَّقبيح.