للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: حُكْمُ اللّه يَسْتَلْزِمُ خَبَرَهُ عَنْه، وَيَسْتَحِيلُ بِغَيْرِ التَّوْقِيفِ.

قُلْنَا: الْقِيَاسُ نَوْعٌ مِنَ التَّوْقِيفِ.

قَالُوا: يَتَنَاقَضُ عِنْدَ تَعَارُضِ عِلَّتَيْنِ.

وَرُدَّ: بِالظَّوَاهِرِ، وَبِأَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدًا رُجِّحَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ وُقِفَ عَلَى قَوْلٍ، وَتُخُيِّرَ عِنْدَ الْشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَإِنْ تَعَدَّدَ فَوَاضِحٌ.

منه، فإِنما رجّح في الحقيقة أقوى الظنين.

ولك الرد - أيضًا - "بجواز مُوَافقة القياس للنَّفي الأصلي، ويجتمع دليلان، أو يكون الحكم مستفادًا من قبل الشرع بالقِيَاسِ، وتلك فائدة، فللحكم الشَّرْعي آثار لا تظهر في البراءة الأصلية، ولا مانع من اجتماع دَلِيلَين على حكم الحادثة: البراءة الأصلية والقياس.

الشرح: "قالوا: حكم الله" في الواقعة المعيّنة بالوجوب أو الحُرْمة، ونحوهما "يستلزم خبره عنه"؛ لأنا لا نعلم إِلَّا من جهته، "ويستحيل" العلم به "بغير [التوقيف] (١) على خبره؛ لأنَّهُ تكليف الغافل، والقياس لا يجدي؛ لأنَّهُ من فعلنا، لا من توقيف الشَّارع، فكيف يدرك به ما لا يعلم إِلَّا من جهة الشارع؟.

"قلنا: القياس نوعٌ من التوقيف" فإِنه إذا شرع كان طريقًا دالا على حكم الله تعالى، والذي هو من فِعْلِ القائس ترتيبه المقدّمات، أما الحكم ففعل الله تعالى.

"قالوا: يتناقض عند تَعَارض علّتين"، تقتضي كلّ واحدة منهما نقيض حكم الأخرى، فإنه على القول بالقياس يجب اعتبارهما، وإثبات حكمهما، قيلزم التناقض.

"ورد: بالظواهر"، فإن ما ذكر آت فيها، "وبأنه إن كان" الذي تعارضت عنده العلّتان رجلًا "واحدًا"، أو في وقت واحد "رجّح" بالطريق المعروفة في التَّرَاجيح "فإن تعذّر، وقف على قول، ويخير عند الشَّافعي وأحمد"، فلا تناقضٍ، "وإن تعدّد" المجتهد أو الوقت "فواضح"، إذ يعمل كل أحد بما غلب على ظنّه، وفي كل وقت كذلك.


(١) في أ، ت: التوقف.

<<  <  ج: ص:  >  >>