للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال المصنف: "وهو ظاهر في الاتِّعَاظِ"؛ لِغَلَبَتِهِ فيه، ولدلالة سياق الآية عليه، فإن الله - تعالى - قال: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا﴾ [سورة الحشر: الآية ٢]، والمناسب - هنا - أن يكون الاعتبار، لا أن يكون المراد: فقيسوا الذّرة على البُرّ؛ إذ لو فرض ذلك، لكان ركيكًا من الكلام، ينزه عنه كلام الله تعالى.

واعلم أن أصحابنا استدلُّوا بهذه الآية خلفًا عن سَلَفٍ، والحق عندي فيها أنها غير مفيدةٍ للقطع، ولكنها تفيد الظن، وما ذكر من الرَّكَاكَةِ، قد ذكر أصحابنا: أنه إنما يتأتى، لو قيل: فقيسوا الذُّرَة على البُرّ، ولا يجيء فيما إِذا أتى بلفظ عام، كما هو فيما نحن فيه؛ فإن الاعتبار أعم من الاتِّعَاظ، وقياس الذُّرَة على البر، فما في ذلك شيء من الركاكة، بل هو في أعلى مقام الفَصَاحة؛ ألا ترى أن النبي لو سئل عمن ابتلع حَصَاة في نهار رمضان، لم يكن أن يقول في جوابه: من جامع فعليه الكفارة؛ إِذ لا دخول لصورة السُّؤال تحت هذا


= "أما الوجه المنطوقي الأصلي" فحاصله أن قول الله تعالى: ﴿فاعتبروا﴾ أمر بالاعتبار، والاعتبار هو رد الشيء إلى نظيره بأن يحكم عليه بحكمه، وهذا يشمل الاتعاظ والقياس الشرعي. وكل ما هو رد الشيء إلى نظيره. ولا شك أن سوق الآية للاتعاظ بما حصل لبني النضير من إخراجهم من ديارهم وقذف الرعب في قلوبهم وإخراب بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، واللفظ عام كما قلنا، فبدل على الاتعاظ عبارة وعلى القياس إشارة؛ لأن الاتعاظ ثابت بطريق المنطوق مع كون سياق الكلام له، والقياس ثابت بطريق المفهوم أيضًا من غير أن يكون سياق الكلام له.
"وأنت ترى" أن هذا الوجه لا يخالف طريقة الجمهور المتقدمة إلا في تقسيم دلالة الأمر في الآية إلى دلالة عبارة على الاتعاظ، ودلالة إشارة على القياس الشرعي. والقصد من هذا التقسيم بيان نوع دلالة الآية على وجوب القياس عند الحنفية، وهو لا يقتضي تغيير شيء من المقدمات التي ركب منها الدليل على طريقة الجمهور، ولذا يرد عليه كل ما ورد على طريقتهم من كون المراد بالاعتبار في الآية الاتعاظ، وكونه غير عام وغير ذلك ممَّا سبق. والجواب هو الجواب، فلا داعي إلى تكراره.
"وأما الوجه المفهومي التنزلي" فحاصله: أنا لو سلمنا ما يقول المعترض من أن الاعتبار في الآية معناه الاتعاظ، فغاية ذلك أنها لا تدل على حجية القياس بطريق المنطوق الإشاري، لكنها تدل بطريق مفهوم الموافقة، وهو المسمى دلالة النص.

<<  <  ج: ص:  >  >>