فكل من هذين النوعين وسواهما من أنواع الرد إلى النظير يقال له: اعتبار، ومما يؤيد إطلاق الاعتبار على النوع الثاني، وهو القياس قول ابن عباس ﵄ في قياس الأضراس على الأصابع: "عقلها سواء، اعتبروها بها" أي ردّوا الأضراس إلى نظائرها وهي الأصابع، فأثبتوا لها استواءها في الدية كما أثبتموه في الأصابع؛ لأن التفاوت بينها يشق ضبطه، فأطلق ابن عباس الاعتبار على القياس الشرعي والأصل في الإطلاق الحقيقة، فالاعتبار المأمور به عام شامل لجميع أفراد هذين النوعين وسواهما وإن كان واردًا على سبب خاص وهو ما حصل لبني النضير؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالقياس الشرعي إذا مأمور به في ضمن الأمر بالاعتبار، والأمر للوجوب فيكون تحصيله واجبًا على من هم أهل لذلك وهم "المجتهدون"؛ لأن غيرهم عاجز عن ذلك، فيكون العمل بمقتضاه واجبًا على جميع المكلفين؛ لأنه لم يجب لذاته بل للتوصل إلى العمل به، ولا معنى للتعبد به إلا إيجابه أو إيجاب العمل بمقتضاه، فيكون التعبد به واقعًا في الشرع بهذا الدليل السمعي، ويمكن أن يقرر على قواعد المنطق؛ ليتضح وجه إنتاجه للمطلوب، ولتتبين موارد الاعتراضات عليه فيقال: القياس اعتبار؛ وكل اعتبار مأمور به شرعًا؛ وكل مأمور به شرعًا متعبد به شرعًا، فالقياس متعبد به شرعًا بهذا الدليل وهو سمعي لتوقف مقدمته الثانية على السمع فالتعبد بالقياس واقع شرعًا بهذا الدليل السمعي. وأمَّا طريقة الحنفية في الاستدلال بالآية فهي ذات وجهين: "أحدهما" منطوقي أصلي. "والثاني" مفهومي تنزلي. =