ولا القياس، بل بطريق العلم بالعلّة، وهو الاستدلال بالنص.
ولقائل أن يقول: لا نسلم أن ذلك بقياس، وقولكم: لم يتميّز الأصل عن الفرع مندفع؛ فإنه إذا قال: علة حرمة الخمر الإسكار، فالحرمة في الخمر أصل، والعَمَل بها يحصل حال ورود النص، ثم بعد ذلك يحصل العلم بحرمة كل مسكر، وكل ما كان غير الخمر يكون فرعًا، والعلم بحرمته متأخّر عن العلم بحرمة الخمر، وربما لا يعلم كون الشيء مسكرًا إِلا بعد حين، فلا تعلم حُرْمته، فإِذا جزب ووجد مسكرًا، علم تحريمه، فكيف لا يكون العلم به متأخرًا؟.
فإن قلت: نحن ندعي عدم تأخر العلم بحرمة كل مسكر حكمًا كليًّا، لا العلم بواحد واحد من الجزئيات المندرجة، فإنها داخلة في الحكم المعلوم، فالعلم بحرمة الجزئيات المَخْصُوصة لا يستفاد من الأصل الذي هو الخَمْر، بل من المقدمة الكلية التي هي العلم بتحريم كل مُسْكر، والعلم بهذه المقدّمة لا يتأخّر.
قلت: بل العلم بها - أيضا - متأخر؛ لأنا نعلم أولا حُرمة الخمر، ثم كون الإِسكار علّة بتنصيص الشَّارع، ثم يحكم بتحريم كل مسكر حكمًا مترتبًا على هذا العلم بالعلّية، والحكم في كل قياس كذلك، فإِن المجتهد يعلم حكم الأصل، ثم يستنبط العلّة، ثم يحكم بمقدمة كلّية شاملة لجميع صور تلك العلة.
الشرح: واحتج أبو عبد الله "البصري" على مذهبه: بأن "من ترك أكل شيء لأَذَاهُ؟ " كمن ترك أكل رُمَّانة حامضة لحُمُوضتها، "دلّ على تركه كل مُؤذٍ، بخلاف من تصدّق على فقير" لفقره، لا يدلّ على أنه يتصدق على كل فقير، أو من أكل رُمَّانة حامضة لحموضتها لا يدلّ على أكله كل رمانة حامضة.
"قلنا": لا نسلم أنه - مثلًا - إذا أكل واحدةً لحموضتها يدل على أكله الكل، وذلك لاحتمال أن يكون الدَّاعي لا مطلق حُمُوضة هذه الرمانة الخاصة.
و"إن سلم، فلقرينة التَّأذِّي"، وكون ترك المُؤذى مطلقًا مَرْكُوزًا في الطِّبَاع،