للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: لَوْ قال: الإسْكَارُ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ، لَعَمَّ؛ فكَذَلِكَ هَذَا.

قُلْنَا: حَكَمَ بِالْعِلَّةِ عَلَى كُلِّ إِسْكَارٍ، فَالْخَمْرُ وَالنَّبِيذُ سَوَاءٌ.

الشرح: "قالوا: لو قال: الإسكار علّة التحريم لعمّ، فكذلك - هنا -" أي: قوله حرمت الخمر لإِسكاره؛ لأن "اللام" للتعليل، ولا فرق بين أن يذكر التّعليل باسمه، أو بحرف يدل عليه، فيجب أن يكون عامًّا.

"قلنا": لا نسلّم اتحاد معنى العبارتين؛ فإن قولك: الإسكار علّة الحُرْمة لفظ "حكم بالعلّة على كل إِسكار" إذا ذكرت الإسكار معرفًا بـ "اللام"، وهو للعموم، "فالخمر والنَّبيذ" بالنسبة إليه "سواء".

ولقائل أن يقول: إن أردت بالمُسَاواة بين الخَمْر والنبيذ مساواتهما في أنهما - والحالة هذه - منصوصان، وهو طاهر العبارة، ويؤيده قول الآمدي: يكون التحريم ثابتًا في كل الصور بجهة العموم، وهذا ممنوع؛ وذلك لأن قولنا: الإِسكار علّة التحريم، ليس المراد به كل تحريم، بل تحريم الخمر، "والألف واللام" في التحريم للعهد، وهذا واضح.

وقولنا: علة تحريم الخمر الإِسكار، لا يوجب صَيْرُورَة النّبيذ منصوصًا، وإن أردت المساواة في أصل الحكم، فكذلك كل فرع مع الأصل، سواء أكانت العلّة فيه منصوصةً أم لا، وهذا مكان مُعْضل، والذي يظهر فيه عند التحقيق، أن قولنا: حرمت الخمر لإِسكاره، يحتمل أن تكون العلّة مطلق الإِسكار، حتى يعدي إِلى النبيذ، ومحتمل لأن تكون العلة خصوص إِسكار الخمر احتمالًا قويًّا، بحيث إنه لو لم يرد الأمر بالقياس لما قِسْنا - والحالة هذه - ولكن ورود الأمر بالقياس من قبيل التَّنصيص على العلة قرينة رجحت الاحتمال الأول.

وأما قولنا: علة حرمة الخمر الإِسكار، فمحتمل - أيضا - لأن يكون المراد الإِسكار الخاص، ولكنه احتمال مَرْجُوح، وليس كهو في الصِّيغَة الأولى، ومع ذلك إلحاق النبيذ - والحالة هذه - قياس لا نص، على خلاف ما ظهر من عبارة الكتاب والآمِدِيّ.

ولقد حاول الإِمام في "المحصول" أن يجعله رُتبة متوسطة بين القياس والنص، وتبعه القاضي سِرَاج الدين في "التحصيل"، وعبارة "التحصيل": لو قال ذلك، لم يكن قياسًا؛ إذ العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول، أي: من غير أن يتأخَّر العلم ببعض الأفراد عن العلم بالآخر، فلم يتميّز الأصل عن الفرع، حتى يقاس أحدهما على الآخر، وهذا ليس بالنص،

<<  <  ج: ص:  >  >>