قَالُوا: لَوْ قَالَ الأَبُ: "لا تَأْكُلْ هَذَا؛ لأِنَّهُ مَسْمُومٌ"، فُهِمَ عُرْفًا الْمَنع مِنْ كُلِّ مَسْمُومٍ.
قُلْنَا: لِقَرِينَةِ شَفَقَةِ الأَبِ بِخِلافِ الأَحْكَامِ؛ فَإنَّهُ قَدْ تُخَصُّ لأِمْرٍ لا يُدْرَكُ.
قَالُوا: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلتَّعْمِيمِ لَعُرِّي عَنِ الْفَائِدَةِ.
وَأُجِيبَ: بِتَعَقُّلِ الْمَعْنَى فِيهِ، وَلا يَكُونُ التَّعْمِيمُ إِلَّا بِدَلِيلٍ.
أما إن كان يدعي التعدية؛ لأن التنصيص أمر بالقياس، فلا يتأتَّى، فإن الشارع تعبدنا بالقياس، فلذلك عمّمنا بالعلة، بخلاف غيره.
"قالوا: حرمت الخمر لإسكاره، مثل: حرمت كل مسكر"، فيكون عامًّا.
"وُردَّ: بأنه لو كان مثله، عتق من تقدم"، والاتِّفَاق أنه لا يعتق، ثم الدليل إِنما يتوجه على تقدير أن مدعى الخصم أن التعميم باللَّفظ كما عرفت.
أما إن ادعاه أمرًا بالقياس، فواضح بأنه ليس مثله.
"قالوا: لم يعتق"؛ فيما نحن فيه؛ "لأنه غير صريح، والحق لآدَمِيّ".
"قلنا: يعتق بالصريح والظاهر"، ولا يفترق الحال بين حق الآدَمِيّ وغيره إذا كان مأخوذًا من اللفظ.
"قالوا: لو قال الأب: لا تأكل هذا؛ لأنه مَسْمُوم، فهم عُرْفًا المنع من كل مسموم.
قلنا: لقرينة شَفَقَة الأب" المقتضية لمنع الولد من كل مُؤْذٍ، "بخلاف الأحكام، فإنه قد تخص لأمرٍ لا يدرك".
ثم نقول: سلمنا أنه يفهم منه عرفًا، ولكن ذلك للإتيان بالعلة، لا من اللفظ، ولا لأن النص عليها أمر بالقياس.
"قالوا: لو لم يكن" التنصيص على العلّة "للتعميم" في جميع الصّور "لعُرّى" التنصيص "عن الفائدة"؛ لحصول الحكم في المنصوص بمجرد النص.
"وأجيب: بتعقُّل المعنى فيه"، أي: فائدته تعقُّل المعنى المقتضي للحكم؛ لأنه أسرع إلى الانقياد، "ولا يكون التَّعميم" في الحكم "إلا بدليل" آخر.
أو يقال: الفائدة فهم العلّة؛ ليقاس عليها.