وأجيب بأن هذا الدليل إنما يكون مفيدًا إذا كان المقصود جريان القياس في جميع الحدود والكفارات، وليس كذلك؛ لأنا لا نوجب القياس في كل حد أو كفارة، فإن منها ما لا يُعْقَلُ معناه، بل لا نوجب القباس فيها وفي غيرها إلا فيما يعقل معناه، لأن المجتهد لا يمكنه تعدية حكم الأصل إلى الفرع إلا فيما يكون معقول المعنى؛ ليمكنه تعرف الجامع بينهما، فإذا وجد أصل وعرفت علة حكلمه، فمعقولية التقادير دأبًا لبست ممتنعة، بل هي واقعة، كما قيس القتل بالمثقل على القتل بالمحدد بجامع القتل العمد العدوان، وقياس النباش على السارق في وجوب القطع بجامع أخذ مال الغير من حرز خفية، فإن العلة والحكمة فيهما معلومتان، وأما ما لا يعلم فيه المعنى، فلا خلاف في عدم جريان القياس فيه كما في غير الحدود والكفارات، فلا دخل لخصوصية الحدود والكفارات في امتناع القياس. واحتجوا ثانيًا بقوله ﷺ: (ادْرءوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ ما اسْتَطَعْتُمْ) واحتمال الخطأ في القياس شبهة يجب درء الحد به، وحينئذ لا يجري القياس في الحدود وأجيب بأنه منقوض بخبر الواحد، والشهادة؛ فإنه احتمال الخطأ، والخلاف متحقق فيهما؛ لأنهما لا يفيدان القطع، واحتمال الخطأ والخلاف شبهة، فكان اللازم أن يدرأ الحد بهما، ولم يدرأ، فدل ذلك على أن احتمال الخطأ في القياس لا يؤثر في ثبوته، وتحققه، كما لا يؤثر احتمال الخلاف في الشهادة، وحينئذ يكون القياس جاريًا في الحدود والكفارات من غير نظر إلى احتمال الخطأ؛ لأنه لا تأثير له. والمجيزون لجريان القياس فيها قالوا أولًا: إن الدليل الدال على حجية القياس عام في جميع الأقيسة لا فرق بين الحدود والكفارات وغيرهما، فوجب العمل فيهما، كما وجب في غيرهما. وقال الحنفية: لا نسلم أن أدلة حجية القياس عامة، بل هي مخصصة بانتفاء المانع، ووجود الشرائط إذ لا بد أن تتحقق فيه، حتى يوجد القياس، فالقياس في الحدود والكفارات من هذا القبيل؛ لأن التقدير مانع عقلي، فلا يجري فيها القياس. وقالوا ثانيًا: قد حد في الخمر بالقياس في زمن الصحابة - رضوان الله عليهم -: حين تشاوروا فيه فقال علي - كرم الله وجهه - إذا شَرِبَ سَكِرَ، وإذَا سَكِرَ هَذِى، وإِذَا هَذِى افْتَرى، فأرى عليه =