فيؤخذ مما تقدم أن إجماع الصحابة على حد الخمر بالقياس قام دليلا في المتنازع فيه، وهو جريان القياس في الحدود، كما أن الدليل الدال على حجية القياس قام دليلا عليه بعمومه من حيث إنه من أحكام الشرع. ورد الحنفية هذا الدليل فقالوا: إنه لم يحد في الخمر بالقياس، بل بالإجماع المزيل لشبهة القياس، ولا يلزم من جواز القياس المزال الشبهة جوازه مطلقًا. ويظهر أن هذا رد ضعيف؛ لأنهما استدلوا بقوله ﷺ: "ادْرَءُوْا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ" واحتمال الخطأ في القياس شبهة يجب أن يدرأ به الحد، وبعد ذلك قالوا: إن الإجماع أزال شبهة القياس، ومقتضى هذا أنه لا محظور في إثبات حد الخمر بالقياس حيث إن شبهة القياس قد زالت، فيكون دليلهم غير عام في الحدود والكفارات؛ لخروج حد الخمر منه؛ لجريان القياس فيه، فالصواب ما جرى عليه المثبتون للقياس في الحدود والكفارات؛ لرجحان أدلتهم وعدم توجه نقض عليها، وإن الإجماع قد انعقد بالاستدلال بالقياس، واستدل أصحاب الإجماع به في حد الخمر، فلم يكن مزال الشبهة، كما ادعى الحنفية، وإنما زالت شبهته بعد تقرير الإجماع، فعلم من عمل أهل الإجماع أن الشبهة الراسخة في القياس غير مانعة عن العمل به في الحدود، وذكر الحنفية أيضًا أن الحد على شرب الخمر ثبت بأدلة سمعية، ولم يكن بالقياس. بيان ذلك: أن استدلال علي - كرم الله وجهه - بحضرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ ومشهد من الصحابة مع عدم إنكارهم عليه يفيدان أن التعبد بالقياس في الحدود كان جائزًا عندهم، وهذا لا ينافي اجتماع أدلة سمعية عليه. ولا يخفى أن هذا خلاف الظاهر، والتحقيق أن الأدلة السمعية ما دلت على أن حد الشرب ثمانون، وإنما ثبت ذلك بالقياس لا غير، ويؤيده ما روى الحاكم عن ابن عباس ﵄ أن أهل الشرب كانوا يضربون على عهد رسول الله ﷺ بالأيدي، والنعال، والعصي، حتى توفي، فكان أبو بكر ﵁ يجلد أربعين، حتى توفي إلى أن قال: فقال عمر ﵁: ماذا ترون؟ فقال علي - كرم الله وجهه -: إذا شرب سكر، وإذا سكر هذي، وإذا هذي افترى، وعلى المفتري ثمانون، فعلم من ذلك أن تحديد ثمانين بالقياس لا بأدلة سمعية. ثم قال الحنفية: إن المقصود من ثبوته بأدلة سمعية أن حده كان أخذًا بإشارات رسول اللّه =