وتقرير هذا: أن المستدلّ إِذا أبدى علة، فالمعترض تارة يعارض بأخرَى مستقلة، وتارة يبدي ما يزعمه جزءًا، ويقول: إن المستدل أهمل جزء العلّة.
وتارة يعارض بنقيض ما ذكره المستدلّ، ويقول: العلّة بعض ما ذكرت؛ لأنَّهُ مناسب، كما أن كلّ ما ذكرت مناسب، فجعلك الكل هو العلّة دون [البعض](١) ترجيح بغير مرجّح.
ومثال الثَّالث: أن يعتل الحنفي بالقَتْلِ العمد العدوان بجارح، فيعارضه الشافعي بالقَتْلِ العَمْد العدوان فقط؛ فإِنه على حدته مناسب.
فإِذا قال الحنفي - مثلًا -: لا يجب القِصَاصُ في المُثَقّل؛ لأن العلّة في الوجوب قتل عَمْد عدوان بجارح، والجارح - هنا - منتفٍ، فتنتفي العلّة، وإذا انتفت العلّة انتفى المعلول.
قال الشافعي: لم قلت: إن العلة مجموع ما ذكرت؟ بل بعضه، والجارح زائد، وإِذن فالعلّة موجودة، فيجب القصاص في المُثَقّل، وهذه المعارضة مقبولة في صورها الثلاث؛ لأن الوصف المدعي كونه علّة ليس بأولى بالجزئية إِذا جعله المستدلّ جزءًا، من الاستقلال إِذا عورض به، فليس جعل الحَنَفِي القَتْل العَمْد العدوان جزءًا، أولى من جعل الشَّافعي إِياه مستقلًّا؛ فإِنه مناسب بنفسه، وليس أولى بالاستقلال، إِذا ادّعاه مستقلًّا من الجزئية إذا عورض بها، فليس جعل الشَّافعي القتل العَمْد العدوان مستقلًّا أولى من جعل الحنفي إِياه جزءًا، وليس - أيضًا - أولى بالاستقلال من العلّة التي عورض بها.
وقيل: إنها مستقلة، كالكَيْل إِذا عورض به الطعم.
والحَاصِلُ: أن ما يأتي به المستدلّ مناسب، وما يعارضه به المعترض - أيضًا - مناسب، فليس التمسُّك بأحدهما أولى من عكسه، ولا يخفى عليه أن المعارضة - هنا - ليس المُرَاد بها العلّة المقتضية، بخلاف ما يريده المستدلّ، كما يفهم من الدَّليلين المتعارضين، بل العلّة الصالحة لأن يتعلّق بها في الحكم، كما صلحت علة المستدل، وينشأُ الخلاف