العلماء، وهم لا يعتمدون على مجرد المعنى الذي ذكره، لكن يثبتون وصفًا من المشروعية في البيع الفاسد الذي وقع فيه الاختلاف، فيقولون: هو مشروع بأصله غير مشروع بوصفه، فلهذا أوجبوا الملك، ونحن ننفيها من كلّ وجه، فنقول: لا يفيد الملك؛ لأنى المشروع في المِلْكِ لا يثبت إلا بسبب مشروع، فعلى هذا يقع تنازع الخُصُوم.
قلت: وللإمام أن يقول إذا استتب لنا نفي المَشْرُوعية كان المثال مما نحن فيه، ونحن من وراء تقريره.
ثم قال ابن السمعاني: وأما مسألة النيَّة في الوضوء، فعندنا قولهم: طهارة بالماء، علّة باطلة، ما لم يثبتوا المعنى المؤثر في ذلك.
وقول من قال من أصحابنا: طهارة حكمية - أيضًا - باطل، ما لم يبين، وعلى الجملة لا يتصوّر بوجه سؤال الفرق، بمعنى بيان علّة أخرى في الأصل للحكم، نعم إذا عكس ذلك المعنى في الفرع، وبين تأثيره في الحكم على خلاف ما تقتضيه العلة الأولى، وبين له أصلًا، فحينئذٍ تكون معارضة.
قلت: قوله: باطل ما لم يبين المعنى المؤثر، فيه نظر؛ فإن القائس - هنا - لا يدعي أنه قياس علّة، حتَّى يطالب بالتَّأْثير، وإنما قُصَارى دعواه أنه قياس شبه، فيبين الفارق أنه طرد، وأن قوله: طهارة بالماء، فلم يفتقر إلى النّية، بمنزلة قولك: فاحتاجت إلى النية، ولم يذكر ابن السَّمعاني مسألة الهِبَةِ.
ولم يعترض المالكية أن يقول: لو كانت كالمُعَاوضة، لما بطلت بموت الوَاهِبِ قبل القبض، وأنتم تقولون: تسقط بموته، ولا مُشَاحّة في الأمثلة بعد إيضاح المقصود.
ثم قال ابن السَّمْعَاني: ونحن لا نُبَالِي بغضب من يغضب بسبب إفساد الفروق على ما اعتادته المتفقّهة الذين لا يرجعون إلى تحقيق، ورضوا بصور يتنصبون للذّب عنها، والدفاع عن حَرِيمِهَا، ويتصالحون عليها من الجانبين، ويظنون أن ذلك هو الفقه المطلوب في المسائل، والفقه منهم في البُعْدِ، كبعد الإنسان من مَنَاط الثُّرَيَا، والذي ادعاه هذا الذي حكينا قوله، أن فيما قلته بيان سرّ الفرق، ولا ينكشف من سرّه إلا الذي قدمناه، ومن حاول توجيه سؤال الفرق إِلا بمعارضة المعنى في الأصل، فقد رَامَ شيئًا بعيدًا، وطلب ما لا يوصل إليه بحيلة ما. انتهى.