واختلف في أنّ المعترض إذا قال: ليس هذا مأخذي، هل يصدق؟
"والصَّحيح: أنه مصدق في مذهبه"؛ لأنَّهُ أعرف به.
وقيل: لا يصدق إِلَّا ببيان مأخذ آخر؛ إذ ربما كان ذلك مأخذه، ولكنه يعاند، "وأكثر القول بالموجب كذلك"؛ أي: كهذا القسم الذي يستنتج فيه إبطال ما يتوهّم أنه مأخذ الخَصْم، ولم يكن كذلك، وإنما كان أكثر "لِخَفَاء المأخذ"، وقلة العارفين به والمُطّلعين على أسراره، "بخلاف محال الخلاف"، فإنه مشهور، فكم من فقيهين يعرفان مذهب الشافعي وأبي حنيفة، ثم إذا سئلا عن مأخذهما لم يحيرا جوابًا، ووجدا حاملي فقه، وليس بفقيهين، وأكثر أبناء زماننا كذلك، فواهًا على الفقه، فإنه لم يبق من سَحَابه إلا اليسير من ظله، "وَاللَّهُ لَا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ صُدُورِ العُلَمَاءِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ أَهْلَهُ"(١).
الشرح:"الثالث: أن يسكت" المستدلّ "عن الصغرى" صغرى القياس، ويذكر كُبْرَاه في حال كون الصغرى "غير مشهورة"، ويستعمل قياس الضمير، "مثل" أن يقول شافعي في وجوب نية الوضوء: "ما ثبت قربة فشرطه النية كالصلاة ويسكت عن" قوله: "والوضوء قربة" مثل القول بالموجب، أو يقول: هذا مسلم، ومن أين يلزم اشتراط النية في الوضوء؟ وإنما "يرد" هذا إذا سكت عن الصّغرى، "ولو ذكرها لم يرد إلا المنع" من الصغرى، بأن يقول: لا نسلم أنّ الوضوء قربة، ويكون - حينئذٍ - منعًا للصغرى، لا قولًا بالموجب، إنما شرطنا في الصُّغْرَى أن تكون غير مشهورة؛ لأنها لو كانت مشهورة، كانت بمنزلة المذكورة، فتمنع، أو كانت متفقًا عليها، فلا يتأتّى المنع أصلًا، وإن صرح بذكرها.
وأما الجدليون "وقولهم": إن القول بالموجب "فيه انقطاع أحدهما"؛ أي: أحد
(١) أخرجه البخاري (١/ ٢٣٤) كتاب العلم باب كيف يقبض العلم: حديث (١٠٠)، ومسلم (٤/ ٢٠٥٨) كتاب العلم: باب رفع العلم وقبضه … حديث (١٣/ ٢٦٧٣). من حديث عبد الله بن عمرو.