المُنَاظرين؛ لأن المستدلّ إن أثبت ما ادَّعَاه انقطع المعترض وبالعكس، غير بعيدٍ في القسمين الأولين، بل صحيح - كما عرفت - لكنه "بعيد في الثالث؛ لاختلاف المرادين"؛ إذ مراد المستدل: أن الصغرى وإن كانت محذوفةً لفظًا، فهي مذكورة تقديرًا، والمجموع يفيد المطلوب، ومراد المعترض: أن المذكور هو الكبرى وحدها، وهو لا يفيد المطلوب.
وقال بعض الشَّارحين: إنما اختلف المراد؛ لأن المستدلّ أراد بكون الوضوء قربة أنه وسيلة إلى الصلاة، والمعترض أراد: ليس قُرْبَةً بذاته، فلم يتوارد النَّفْي والإثبات على محلّ واحد، ورجع النزاع لفظيًّا، فلم يلزم انقطاع واحد منهما.
الشرح:"وجواب" القسم "الأول: بأنه محلّ النزاع، أو مستلزم" لمحلّ النزاع، "كما لو قال" شافعي: "لا يجوز قَتْلُ المسلم بالذّمّي" قياسًا على الحَرْبي، "فيقال بالموجب؛ لأنَّهُ يجب" قتله به.
وقولهم: لا يجوز، نفي للإباحة التي معناها اسْتِوَاء الطرفين، ونفيها ليس نفيًا للوجوب، ولا مستلزمًا له، "فيقول" الشَّافعي: "المعنى بـ"لا يجوز": تحريمه، ويلزم" من ثبوت التحريم "نفي الوجوب"؛ لاسْتِحَالَةِ الجمع بين الوجوب والتحريم.
"وعن الثَّاني": بأن يبين في المستنتج "أنه المأخذ" بالنَّقل عن أئمة المذهب. "وعن الثالث: بأن الحذف" لإحدى المقدمتين "سائغ" عند العلم بالمَحْذُوف، والمحذوف مراد ومعلوم، فلا يضرّ حذفه، والدَّليل هو المجموع، لا المذكور وَحْده، وكتب الفقه مَشْحُونة بذلك، بل لا ترى قياسًا مصرحًا فيه بالمقدمتين والأصل إلا على النُّدْرة، وما ذلك من الفُقَهَاء الذين هم أَسَاطِينُ الأقيسة إلا اختصارًا، وتركًا لما هو مشهور أو معلوم، بحيث يصير ذكره تطويلًا، وتضييعًا للزمان بلا فائدة، وقد نجزت الاعتراضات.
ولقد أكثر أئمتنا فيها، واستكثروا من أمْثلتها، وشَعّبوا أقسامها حيث كان الزَّمَان مشحونًا بالعلماء، وكانت المُنَاظرات تبلغ بأهلها عَنَان السماء، ومن نظر كتب إمام الحرمين