للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا: أَطْلَقَ الصَّحَابَةُ الْخَطَأ فِي الاجْتِهَادِ كَثِيرًا، وَشَاعَ وَتَكَرَّرَ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ خَطَّئُوا ابْنَ عَبَّاسٍ فِي تَرْكِ الْعَوْلِ، وَخَطَّأَهُمْ، وَقَالَ: مَنْ بَاهَلَنِي بَاهَلْتُهُ إِنَّ الله لَمْ يَجْعَلْ فِي مَالِ وَاحِدٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا.

وَاسْتُدِلَّ: إِنْ كَانَا بِدَلِيلَيْنِ: فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَاجِحًا، تَعَيَّنَ، وَإِلَّا تَسَاقَطَا.

يجب عليه العمل به غير ذلك الدليل، "فلا" يحصل له الجزم بوجوب العمل بظنّه، و"يكون" مخطئًا في اعتقاد أنه دليل "كلّ مجتهد مصيب"؛ إذ هذا مجتهد، وقد أخطأ في هذا الحكم، وهو اعتقاد أنه دليل، فحينئذٍ يجتمع في كونه دليلًا العلم والظن، ويتم الإلزام.

"وأيضًا" مما يدلّ على أنه ليس كلّ مجتهد مصيبًا، وعليه اعتماد أكثر أئمتنا: إجماع الصحابة؛ إذ "أطلق الصحابة الخطأ في الاجتهاد كثيرًا، وشاع، وتكرر، ولم ينكر"، فكان إجماعًا، منه: ما روى "عن علي وزيد وغيرهما أنهم خطئوا ابن عباس في ترك العول، وخطّأهم [هو] قال" ابن عباس: "مَنْ بَاهَلَنِي بَاهَلْتُهُ إِنَّ الله لَمْ يَجْعَلْ فِي مَالٍ نِصْفًا [وَنِصْفًا] (١) وَثُلُثًا".

والأثر مشهور، وقد روى محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس نحوه، وأيضًا - وهو من المعتمد - أن قوله : "إذَا اجْتَهَدَ الحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ" (٢).

أخبر أن فيهم من يصيب ومن يخطئ، وأنَّ الحكم يختلف، ولو كانوا جميعًا مصيبين لم يكن للتقسيم معنى.

الشرح: "واستدلّ" على المطلوب بأن المجتهدين "إن كانا" قد حَكمَا بلا دليل، فهو باطل قطعًا، وإن كانا حَكمَا "بدليلين، فإن كان أحدهما راجحًا تعيّن" العمل به، ويكون العمل بالآخر خطأ، "وإلا تساقطا"، وكان الحكم الوَقْف، أو التخيير، فكانا في التعين مُخْطئين.


(١) سقط في ت.
(٢) متفق عليه من حديث عمرو بن العاص:
أخرجه البخاري ١٣/ ٣٣٠ في كتاب الاعتصام بالسنة: باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو =

<<  <  ج: ص:  >  >>