للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: كَوْنُهُ دَلِيلًا حُكْمٌ أَيْضًا، فَإِذَا ظَنَّهُ عَلِمَه، وَإِلَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَبَّدُ بِهِ غَيْرَه، فَلَا يَكُونُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا.

خلاف الإجماع، [ودفع] (١) للنقيضين، وهما القول بأن كل مجتهد مصيب، وأنه: ليس "كلّ مجتهد مصيبًا".

وإنما قلنا: إنه مشترك الإلزام؛ لأن "الإجماع" منعقدٌ "على وجوب اتِّبَاع الظَّن، فيجب الفعل، أو يحرم قطعًا".

أي: فإذا ظنّ الوجوب وجب الفعل قطعًا، وإذا ظن الحرمة حرم قطعًا، ثم شرط القطع بقاء الظَّن بما ذكرتم، فيلزم الظَّن والقطع معًا، ويجتمع النقيضان.

والجواب: أنه إنما يلزم ذلك لو كان متعلّق القطع والظن معًا شيئًا واحدًا، وليس كذلك؛ لأن "الظن متعلّق بأنه الحكم المطلوب"، والقطع متعلّق بتحريم مخالفته؛ لأنه مظنون، فاختلف المتعلّقان، وإليه أشار بقوله: قلنا: الظن متعلّق بأن الحكم المطلوب، "والعلم بتحريم المخالفة، فاختلف المتعلقان".

فإن قيل: فيلزمكم امتناع ظنّ النقيض مع تذكره طريق العلم.

قلنا: لا؛ لأن العلم متعلّق بأن المظنون ما دام مظنونًا يجب العمل به، فإذا زال الظَّن، فقد زال شرط العمل به، فقد انتفى العِلْمُ بوجوب العمل في زمان زَوَال الظَّن، وذلك كان حاصلًا قبل زوال الظَّن، والعلم بوجوب العمل به عند بقائه باقٍ مستمر، وإلى السؤال وجوابه أشار بقوله: "فإذا تبدل الظن زال شرط تحريم المخالفة.

فإن قيل": فهذا الجواب بعينه يجري في دليلكم؛ إذ يقال: لا نسلم اتِّحَاد متعلّق الظن والعلم، "فالظن متعلّق بكونه" أي بكون الدليل "دليلًا، والعلم" متعلّق "بثبوت مدلوله" ما دام دليلًا.

"فإذا تبدّل الظن زال شرط ثبوت الحكم"، وهو ظن الدلالة.

الشرح: "قلنا": هذا لا يدفع اجتماع النقيضين؛ إذ "كونه دليلًا حكم أيضًا، فإذا ظنَّه" دليلًا "علم" دليل أيضًا، "وإلا" فلو لم يعلمه أيضًا "جاز أن يكون المتعبد به غيره" أي الذي


(١) في ب: رفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>