فكان قطعيًّا وهو ظني؛ لأن استمرار قطعه بما أدّاه إليه اجتهاده مشروط ببقاء ظنه؛ للإجماع على أنه لو ظنّ غيره وجب الرجوع إلى ذلك الغير، فيكون عالمًا به ما دام ظَانًّا له، فيكون عالمًا ظانًّا لشيء واحد في زمان واحد، فلزم القَطْع، وعدم القطع، وهما نقيضان، لا يقال: لا نسلّم اجتماعهما؛ إذ الظّن ينتفي بالعلم، فلا يردان على شيء واحد.
وحاصله: أنا لا نسلّم أن شرط القطع بقاء الظن.
وقوله: لو ظن غيره وجب عليه الرجوع.
قلنا: نعم، ولكن لم يوجد ظن غيره، فإن الموجود إنما هو زوال حكم الظَّن عند زوال الظَّن، وحصول العلم بمتعلقه، والحكم هنا لا يتغير، بل يتأكّد؛ فإن القطع به أولى بذلك الحكم من ظنه، والحاصل أن الظَّن يستمرّ إلى أن يحصل القطع، فيزول، ولا يزول الحكم، بل يتأكد، وإنما لا يقال ذلك؛ لأنا نقول أولًا: إنَّا نقطع ببقائه أي ببقاء الظن، فإنكاره بهت. وثانيًا. ما أشار إليه بقوله: ولأنه لو كان الظَّن ينتفي بالعلم كان يستحيل ظن النقيض أي: نقيض الشيء مع ذكره أي: مع تذكّر الشيء المعلوم، وملاحظته؛ لأن ظن أحد النقيضين مع العلم بالآخر، واستحضاره يستلزم كون الشَّيْء الواحد معلومًا موهومًا، نعم قد يزول عند الذهول عن الموجب، وكونه موجبًا، وذلك بخلاف ما عند الظن، فإنه قد ينتفي الظن مع تذكره؛ لأنه ليس موجبًا كالغَيْم الرطب للمطر.
وإذا كان الظن ينتفي بالعلم، فبالحَرِيّ أن ينتفي به الوَهْم، لكنه لا يستحيل ظنّ النقيض مع ذكره.
الشرح:"فإن قيل": ما ذكرتم "مشترك الإلزام"؛ "لأن" لزوم النقيضين وارد على المذهبين، فيكون مردودًا؛ إذ يعلم به مَنْشأ الفساد ليس خصوصية أحد المذهبين، وما كان جوابًا لكم، فهو جوابنا، وإن لم يعلم بعينه، أو يقول: لو صح هذا لبطل المذهبان، وهو