لهم أعلمه الله - تعالى - بما لم يطلع عليه من سرّهم أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا، أو أنه لا حرج عليه فيما فعل، ولا خطأ، وليس "عَفَا" هنا بمعنى: عفو، بل كما قال النبي ﷺ:"عَفَا اللَّهُ لَكُمْ مِنْ صَدَقَةِ الخَيْلِ وَالرَّقِيقِ"(١).
ولم يجب عليهم ذلك قط.
قال القشيري: ومن قال: العفو لا يكون إِلا عن ذنب، فهو غير عارف بكلام العرب، وإنما معنى "عَفَا اللَّهُ عَنْكَ " لم يلزمك ذنبًا كما في: "عفا عن صدقة الخيل".
وأما قوله في أسارى " بدر": "مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى" الآيتين، فليس فيه إِلزام ذنب للنبي ﷺ، بل فيه بيان ما خصّ به، وفضل من بين سائر الأنبياء.
فكأنه قال: ما كان هذا لنبي غيرك.
وقوله:"تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا" المعنى به: من أراد ذلك منهم، وليس المراد به النبي ﷺ، وأما حديث القضاء، فالقاضي مصيب عند الحكم بشهادة الشَّاهدين مطلقًا، واعلم أن هذا المحل لا يحتمل البسط في المسألة، ومسألة العصمة هي الكافلة به؛ فإن المأخذ في عِصْمته عن الصَّغائر والكبائر كالمأخذ في عصمته عن الخطأ في الاجتهاد، والقادر على عصمته من الذنوب ويطهره عن دَنَسِهَا في حالتي العمد والسهو قادر على رفع جانبه عن الخَطأَ، والله المستعان، والذين وافقونا على امتناع الخطأ:
(١) أخرجه أبو داود ٢/ ١٠١ كتاب الزكاة: باب في زكاة السائمة (١٥٧٤)، وأخرجه الترمذي ٣/ ١٦ كتاب الزكاة: باب ما جاء في زكاة الذهب والورق (٦٢٠)، وأخرجه النسائي ٥/ ٣٧ - كتاب الزكاة: باب زكاة الورق (٢٤٧٧)، وأخرجه ابن ماجة ١/ ٥٧٠ كتاب الزكاة: باب زكاة الورق والذهب (١٧٩٠)، وأخرجه أبو نعيم في الحلية ٤/ ١٨٦، والطبراني في الصغير ١/ ٢٣٢، ٢/ ١٣٠، والخطيب البغدادي في التاريخ ٧/ ١٤١، ٣٠٢، ١٤/ ٢٩١، والهيثمي في المجمع ٣/ ٦٩، وانظر: تلخيص الحبير ٢/ ١٤٩.