للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وأما الفطر، فتأويلها أن الآدمي يخلق وعليه أمانة الله التي قبلها آدم ، فيكون على فِطْرة الدين ما لم يخن فيما عليه من الأمانة.

وأما وحي النحل، فإنما أنكرنا مثل ذلك في علم خوطبنا بِكَسْبِهِ، وابتلينا به، وأما وحي أمّ موسى فأمر نقول به، وبيانه: أن أم موسى خافت عليه القتل من فرعون لما ظهر من سُنته، ومن خاف على نفسه الهلاك حل له إلقاء نفسه في البحر، إن رجا فيه النجاة بوجه، وراكب السفينة إذا ابتلى بالحريق حالة ركوب لوح في البحر وكل من ابتلى بشرين لزمه ارتكاب [أهونهما] (١)، فقد فعلتْ الذي فعلت بالنظر إلى الذي ألقى في قلبها.

وأما كرامة الفرَاسَة، فلا ننكرها أصلًا، ولكنا لا نجعل شهادة القلب حجّة؛ لجهلنا أنها من الله تعالى، أو من الشيطان، أو النفس.

وأما الصحابة، فلم يقولوا إِلا عن نظر استدلال. هذا مختصر كلام أبي زيد الدبوسي.

قال أبو المظفر بن السَّمعاني: واعلم أن إنكار أصل الإلهام لا يجوز، ويجوز أن يفعل الله - تعالى - بعبد بلطفه كرامة له، ويقول في التمييز بين الحق والباطل، والحق من ذلك أنه كلّما استقام على شرع النبي ولم يكن في الكتاب والسُّنة ما يرده، فهو مقبول، وما لا فمردود، ويكون ذلك من تسويلات النَّفْس، ووساوس الشَّيْطَان، ويجب ردّه، على أنا لا ننكر زيادة نور من الله - تعالى - كرامة للعبد، وزيادة نظر له، فأما أن يرجع إلى قلبه في جميع الأمور فقول لا نعرفه. انتهى.

قلت: ومع كوننا لا ننكر ما ذكره، فلسنا نزعم أنه حجّة شرعية، وإنما هو نور في القلب يختص الله به من يشاء من عباده، وإذا وافق الشرع كان حُجَّة ذلك الشرع إِلا ما قام في الذهن، ونقول: ربّ صالح عالم مطعمه حَلال ومشربه حلال، ومكسبه حلال اختصه الله بأن يلهمه الصواب، ولا يحل له في ظاهر الشَّرع الاحتجاج بذلك؛ لأنه ليس بمعصوم، فلا ثقة له بخواطره.


(١) في ت: أصونها.

<<  <  ج: ص:  >  >>