وبحثهم عن دعوى إله لا برهان لهم به، فدلّ أن شهادة قلوبهم لا تنتهض حجّة، وإنما الحجة ما يمكن إظهاره من الدلائل الشرعية، ويدل عليه قوله:"سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ".
فهو دليل على أن العلم بالله - تعالى - لا يكون إِلا بآيات، والآيات لا تدلنا إلا بعد الاستدلال بها عن نظر عقلي، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [سورة الغاشية: الآية ١٧]، وقوله تعلى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [سورة الذاريات: الآية ٢١].
أمر الرب - تعالى - بالنظر والاستدلال، ولم يأمر بالرجوع إلى القلب.
ولذلك قوله ﷺ لمعاذ:"بِمَا تَحْكُمُ؟ " … الحديث، لم يذكر فيه إلهام القلب.
قال علماؤنا: ونقول لأهل الإلهام: ما قولكم في الالهام أهو حجّة عند موافقة الشرع، أو مطلقًا؟ فإن عمّموا قولهم وزعموه حجّة، وإن خالف الشرع فقد رفعوا قواعد الإسلام، وأتوا بما لا يدين به من يوحد الله تعالى قالوا: إنما يكون حجّة عند المُوَافقة، فالموافقة لا تعرف إلا بعد النَّظر في أصول الشَّرْع، وأيضًا فالإِلهام قد يكون من الله - تعالى - وقد يكون من الشَّيْطَان، وقد يكون من النَّفْس، فإن كان من الله ﷿ يكون حقًّا.
وإن كان من النفس أو من الشيطان يكون باطلًا، فإذا احتمل ألَّا يكون حقًّا لم يكن حكا، ويدل عليه أن كل إنسان في دعوى الإِلهام مثل صاحبه، فإن قال واحد: ألهمت أن ما أقوله حق، قال عكسه من أراد معاكسته وليس ثم إلا دعوى مقابلة دعوى. وأما الجواب عن كلماتهم، فنقول: قوله تعالى: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [سورة الشمس: الآية ٨] تأويله والله أعلم: عرفها طريق العلم، وهو الآيات والحُجج، وطريق الفجور، ولذلك شرح الصّدور بنور التوفيق هو النظر في الحُجَج، وكذلك الأخبار المذكورة في القرآن للقلب، وهو بنور الأدلة وبما آراه من الآيات.