قلنا: المنافي للعلم وقوع خلاف العادة لا مجرد الجواز، وهذا كما أن الحس ونظر العقل يفيد العلم مع جواز الغلط فيهما، والسر أن كثيرًا من الأمور الجائزة في أنفسها يعلم انتفاؤها في الخارج بالبداهة. ينظر: عبد الحكيم على المواقف. وقال السعد: معنى "عدم احتماله النقيض" أن العقل لا يجوز بوجه من الوجوه كون الواقع في نفس الأمر نقيض ذلك الحكم وإن كان من الأمور الممكنة، كما إذا شاهد حركة زيد، وبياض جسم، فإنه لا يجوز ألبتة في ذلك الوقت كون زيد ساكنًا والجسم أسود، بل يقطع بأن الواقع هو هذه النسبة لا غير، والعلوم العادية من هذا القبيل. قلت: قد اعترضوا على التعريف، بعدم شموله للعلوم العادية وهي المستندة للعادة، وكان سببها جريان عادة الله تعالى بخلق متعلقاتها، وإبقائها على حالة وكيفية مخصوصة، مع إمكان أن تكون على خلاف ذلك وقتًا ما. فعدم بقائها على ذلك الحال الذي تصورت به، وحدوث حالٍ لها مناقض لذلك الحال، ممكن في نفسه لا يمتنع عقلًا، فهي محتملة للنقيض، فهي خارجة عن هذا التعريف مع كونها مع أفراد العلم، وإنما كانت محتملة للنقيض فهي خارجة عن هذا التعريف مع كونها من أفراد العلم، وإنما كانت محتملة للنقيض؛ لأنها جائزة لا واجبة لذاتها؛ ولأن الجواهر المفردة متساوية في قبول الصفات المتقابلة، كالذهبية والحجرية والطينية، والبقاء والزوال وشمول قدرة المختار، توجب ذلك الاحتمال، فإذا علمنا أن الجبل الذي رأيناه بـ"مكة" مثلًا حجرًا ولم ينقلب الآن ذهبًا محتمل للنقيض، وهو جزئيٌّ من جزئيات المعرّف وخارج عن التعريف؛ لأن متعلقه محتمل لنقيض ما به التمييز وهو الصورة الذهنية، بأن يكون ذلك الجبل الآن ذهبًا لا حجرًا، فكون التعريف غير جامع، وإنما كان محتملًا للنقيض؛ لأن كون الجبل حجرًا لا ذهبًا، أمر ممكن في نفسه تتعلق به قدرة الله تعالى، الصالحة للتعلق بجميع الممكنات، فهي صالحة للتعلق بكل من الذهبية والحجرية، فلا مانع إذن من أن يكون المولى قد قلبه وحوله إلى ذهب، فيكون الجبل ذهبًا؛ أي لا حجرًا بعد أن كان حجرًا. ولا حجر - فنقيض - حجر في قولنا: الجبل حجر، الجبل ليس بحجر، فالصفة التي أوجبت الحكم بالحجرية للجبل، احتمل متعلقها نقيض، فلم يكن التعريف جامعًا، وذلك بناء على أن الأجسام كلّها متماثلة - في الخقيقة - وأنها بأسرها مركبة من الجواهر الفردة، وأن اختلافها إنما هو بالعوارض، لا بالذات، فما يتركب منه الحجر هو بعينه ما يتركب الذهب، وإذن فالجواهر الموصوفة بالصفات الحجرية محتملة لأن تتصف بالصفات الذهبية. وهناك مذهب آخر في الأجسام وحقيقتها يغاير المذهب الأول، وهو أن الأجسام مختلفة بالحقيقة، ولذلك كان للإنسان حقيقة غير حقيقة الفرس مثلًا، وبناء على هذا ما يتركب منه الجبل وهي الأجزاء الفردة الحجرية، غير ما يتركب منه الذهب. وإذن فـ: الجبل حجر، لا يناقضه: الجبل ليس بحجر؛ =