والجواب: أن احتمال الشيء للنقيض يرد على وجهين، ويستعمل لمعنيين: الأول: تجويز العقل أن يكون نقيضه واقعًا بدلًا منه في الحال، كما في الظن والشك، أو في المال، كما في الجهل المركب، والتقليد، ومنشأ ذلك الاحتمال ضعف التمييز، إما لعدم الجزم وخلوصه من الشوائب، أو لعدم استناده إلى موجب عن ضرورة أو دليل صحيح. الثاني: أن الشيء لو فرض نقيضه واقعًا بدله، لم يلزم من وقوع ذلك النقيض محال لذاته؛ لأن ذلك النقيض ممكن؛ كما أن الأصل ممكن، ولا شكَّ أن طرفي الممكن كل منهما جائز، والجائز لا يستلزم وقوعه محالًا، بل تحققه وعدم تحققه سواء، وإلا لكان واجبًا أو مستحيلًا؛ فلا يكون ممكنًا. والفرض أنه ممكن؛ فالمعنى الثاني للاحتمال هو الإمكان الذاتي. هذان المعنيان هما اللذان يستعمل فيهما الاحتمال، والمراد منهما في التعربف المعنى الأول، وهو تجويز العقل حصول نقيضه واقعًا بدلًا منه، وذلك الاحتمال منفيّ في العلم، بل هو: صفة توجب لموصوفها حصول صورة، أو نسبة بهما يكون موصوفًا، مميزًا بين المعاني، بعضها عن بعض، تمييزًا لا يجوز صاحبه في الحال أو المآل أن يكون الواقع سوى هذه الصورة أو النسبة؛ لأن الصورة لا تحتمل غير ما هي له؛ ولأن إدراك النسبة كان جازمًا متندًا إلى موجب صحيح، فما أدركه واقعًا فهو واقع، وما أدركه غير واقع، هو غير واقع، ولا شكَّ أن العلوم العادية لا يحتمل متعلقها نقيض تمييزها بهذا المعنى، فإذا أدرك العالم بصفة العلم أن الجبل الفلاني أو أن الشاغل لمكان كذا - حجر - لا يحتمل متعلق ذلك الإدراك أن يكون غير حجر، ولذلك تراه يحدث وهو متيقن لصحة قوله ومطمئن لحكمه، وما ذاك إلّا لعدم الاحتمال عنده، وملخص القول: إن المراد بعدم احتمال النقيض جزم العقل بأن النقيض غير واقع، أو أن ما أدركه هو الواقع وليس شيئًا سواه.