فالشكل الأصلي المطلوب هو انتخاب الأمة خليفتها بحيث تجتمع آحادها وأهل الحل والعقد والرأي والبصيرة منها، فيتباحثون ويتشاورون ثم ينتخبون الخليفة مراعين فيه شروط الخلافة الشرعية ومقاصدها الأساسية غير ناظرين إلى الوجاهة الذاتية والجنسية النسبية بل يرجحون كفاءته من أي بيت منهم كان؛ إذ الشريعة تعتبر في الانتخاب شورى الأمة لا جنسية الخليفة وعشيرته ونسبه، وقد تأسست الخلافة الراشدة على هذا الأساس الجمهوري، فانتخاب الخلفاء الأربعة كان انتخابًا شرعيًا وجمهوريًا، ولم ترع فيه الجنسية والقبيلة والعهد ألبتة، ولو روي فيه شيء من هذا لبقيت الخلافة في بيت الخليفة الأول، ولم تخرج منه إلى آخر الدهر، ولكن لم يكن شيء من ذلك.
وأما الشكل الثاني: وهو ما إذا تغلب متغلب بقوته وعصبيته، فهجم على كرسي الخلافة - وهذا عين ما حدث هنا -، ولم يترك مجالًا للانتخاب، فحينئذ ماذا يجب على الأمة إذا كان المتغلب غير أهل لها، مظالمًا وفاقدًا لشروطها؟
هل يجب عليها أن تخرج عليه وتقاتله؟ أم يجب عليها أن تطيعه وتنقاد له، وتؤدي إليه الزكاة، وتقيم وراءه الجمعة والجماعة؟
ولما كانت هذه المسألة من أهم المسائل الحيوية والأساس الاجتماعي لحياة الأمة لم تكن الشريعة لتغفل عن هذا الشكل من الخلافة، وتترك الأمة فيه بلا هداية ولا بصيرة، ولذا نجدها قد اهتمت بها أشد الاهتمام، وبينتها بيانًا وافيًا بعبارات واضحة، ونصوص صريحة.
فإذا استولى مسلم بقوته وشوكته وعصبيته على الخلافة، وتمكن فيها وقامت حكومته، وقوي أمره - وجب على الأمة أن تطيعه وتسمع له وتخضع لخلافته مثل لو كان أصابها بحق، ولا يجوز لأحد الخروج عليه، ومن يفعل ذلك يقاتله المسلمون، ويعينوا الخليفة عليه مهما كان الخارج ذا فضل وصلاح وكفاية؛ لأنه مفارق للجماعة، وخارج على السلطان".
وهذا الشكل الثاني لتولي الخلافة أو الحكم وهو - "الغلبة" - حدث لدولة المماليك، فقد قفزوا على كرسي الحكم، وذلك على أنقاض دولة بني أيوب بعد ضعفها، وخورها، ومع هذا فقد كان للمماليك مآثر يفخرون بها أمام التاريخ، يكفيهم ذبهم عن بلاد الإسلام، ودجرهم خطر المغول والصليبيين - بغض النظر عن كونهم - المماليك - عبيدًا أو أحرارًا.
نعود إلى الحديث عن وصف طبقات المجتمع المملوكي في ذلك العصر: