للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونبدأ بطبقة "أهل الحكم":

كان الحكام أغرابًا عن البلاد وأهلها، فلم تربطهم بأبناء مصر والشام رابطة الأصل أو الدم أو الجنس، مما جعل المماليك لا يشعرون في كثير من الأحيان بروح العطف والتجاوب، لذلك فقد نظروا إلى الرعية على أنهم أقل درجة، وأجدر ألَّا يشاركوا في الحياة العسكرية، أو النيابة الحكومية.

ولما كان السلطان في الأصل مملوكًا، فقد نظر إلى بقية المماليك على أنهم إخوانه، فاهتم بهم، وحرص على تربيتهم تربية خاصة، تقوم على إعدادهم بدنيًا، وفكريًّا، فإذا اشترى السلطان عددًا منهم خصص لهم أماكن يعيشون فيها، ويتردد عليهم فقهاء يعلمونهم الدِّين الإسلامي وعلومه، فإذا شب المملوك عن الطوق، وبلغ سن البلوغ بدأ تعليمه فنون الحرب والفروسية، فإذا ما انتهت مرحلة التعليم خرج إلى مرحلة أخرى، وهي مرحلة الخدمة السلطانية، ثم هكذا رتبة بعد أخرى حتى يصبح أميرًا أو "سلطانًا مختصرًا" على قول القلقشندي (١).

ولما كان المماليك ينظرون إلى غيرهم نظرة دونية، فلم يحدث أن تزوجوا من سكان مصر والشام، واختاروا زوجاتهم وجواريهم من بنات جنسهم اللَّائي جلبن عن طريق التجار، بل حذرت حكومة المماليك من انتقال مملوك من المماليك عن طريق البيع إلى "كاتب أو عامي" أي إلى أحد من غير طبقة المماليك، ومن خالف ذلك التحذير تعرض للأذى والعقوبة (٢).

ومع كل هذه العزلة، فقد رأينا بعض سلاطين المماليك يستعين ببعض المصريين، فجعل منهم أمراء مقدمين، بدلًا من المماليك، وكان ذلك في فترة حكم السلطان الناصر حسن بن محمد، واعتذر عن ذلك بقوله: "إن هؤلاء مأمونو العاقبة، وهم في طي علمي، وحيث وجهتهم إليه اتجهوا، ومتى أحببت عزلهم أمكنني ذلك بسهولة، وفيهم رفق بالرعية، ومعرفة بالأحكام" (٣).


(١) د. سعيد عبد الفتاح عاشور: العصر المماليكي ص ٣٢٢، نقلًا عن القلقشندي: صبح الأعشى ٤/ ٦٠.
(٢) ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة ٩/ ٩٢.
(٣) المصدر السابق ١٠/ ٣٠٩ - ٣١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>