وإنما الخلاف بينهم فيما هو المراد منه في قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾. هل المراد منه الحيض أم الطهر. ولا يمكن أن يتناولهما جملة؛ لأن اللفظ الواحد عند الحنفية لا يدل على معنيين مختلفين حقيقة أو حقيقة ومجازًا، فلا بد من الحمل على أحدهما. فذهب الحنفية إلى أن المراد به الحيض، وذهب الشافعية إلى أن المراد به الطهر، ولكلٍّ أدلة. فاستدل الشافعية على مدعاهم بالأدلة الآتية: أولًا: بحديث ابن عمر، وهو أنه ﵊ أمره أن يراجع زوجته حين طلقها في الحيض ثم يتركها حتى تطهر من حيضها ثم يطلقها إن شاء ثم قال: فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء. فهذا نص على أن العدة هي الطهر. بيانه: أن الله تعالى أمرنا أن نطلقها لعدتها بقوله: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ واللام بمعنى "في" والطلاق يوقع في الطهر لا في الحيض فكان هو العدة. وثانيًا: أن القرء بمعنى الحيض يجمع على أقراء قال ﵊: "دعي الصلاة في أيام أقرائك" وبمعنى الطهر يجمع على قروء قال الأعشى: [الطويل] أَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاثِمُ غزْوَةٍ … تَشُدُّ لأَقْصَاهَا غَرِيمَ عَزَائِكَا مُوَرِّثَةً مَالًا وَفِي الْحَيِّ رِفْعَةً … لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قرُوءِ نِسَائِكَا أراد بالقروء: الأطهار؛ لأن الحيض لا يختص ضياعه بزمن النية؛ لأنه ضاع دائمًا؛ فيكون المراد من القروء المذكورة في الآية الأطهار لا الحيض. وثالثًا: لأن تأنيث العدد وهو الثلاثة يدل على أن المعدود وهو القروء مذكر؛ فيكون المراد منها الأطهار لا الحيض. ورابعًا: الأنسب أن يراد من القرء الطهر لا الحيض؛ إذ القرء هو الجمع، والطهر هو الذي يجتمع فيه الدم لا الحيض. واستدل الحنفية على مدعاهم بالكتاب والسنة والمعقود: أما الكتاب فقوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ ووجه الاستدلال بالآية الكريمة أن الله تعالى قرن اسم الجمع وهو القروء بالعدد وهو الثلاثة، واسم الجمع المقرون بالعدد لا يجوز إطلاقه إلا على ما وضع العدد بإزائه لا أزيد ولا أقل، فلو أردنا من القروء الأطهار لجاز إطلاق اسم الجمع المقرون بالعدد على الأقل، وهو طهران وبعض الثالث؛ لأن ذلك يكفي في انقضاء العدة، وهو لا يجوز فلا =