للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ قِيلَ: لَوِ اسْتَلْزَمَ، لَكَانَ لِلَفْظِ "الرَّحْمنِ" حَقِيقَةٌ، وَلنَحْوِ: "عَسَى" - لَكَانَ قِوِيًّا.

استبعد شيئًا قام الدَّليل على خلافه.

فإن قلت: وما الدليل؟

قلت: مواضعُ لن يقع المجاز فيها إلا في الإسناد فقط؛ مثلُ: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ [سورة الأنفال: الآية، ٢]، ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾] سورة إبراهيم: الآية، ٣٦]، ﴿وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ [سورة الزلزلة: الآية، ٢].

الشرح: قال: "ولو قيل: لو استلزم" المجازُ الحقيقة، "لكان لِلَفْظِ: "الرحمن" حقيقةٌ، ولنحو: عسى"، ولا حقيقة لهما - "لكان" استدلالًا "قويًّا".

وبيانه: أنه لا حقيقة لهما: أما (عسى) ونحوُها؛ من حَبَّذا وغيرها من الأفعال الجوامد، فلم تستعمل لزمان معين، بل في مجرَّد الحدث؛ مع أن الأفعال موضوعة للحدث والزمان، ولم تستعملْ إلا في الإنشاء؛ مع أن أصلها خبرٌ ماضٍ.

وأما (الرحمن) فـ (فَعْلان)، ووزن (فَعْلَان) للمبالغة التي هي الكثرةُ المقابِلة للقلَّة، وصفات الله - تعالى - لا تقبل ذلك؛ باعتبار عدم قَبُولها للتعدُّد، ثم هو مشتقّ من الرحمة التي هي حقيقة الرِّقَّةِ والانعطافِ المستحيلِ على الباري تعالى.

ولم يستعمل (الرحمن) إلا في الله تعالى؛ وهذا بناء على [أن] أسماءَ الله - تعالى - صفات لا أعْلام، أما إن جعلناها أعلامًا، فالعَلَمُ لا حقيقة له ولا مجاز.

وما يقال: قد قال بنو حنيفة (١) (رَحْمان اليَمَامة)، و (ما زلْت رحْمَانًا) في


(١) أخرج الشيخان، عن ابن عباس قال: قدم مسيلمة الكذاب المدينة في بشر كثير من قومه، فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته، فأقبل النبي ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد النبي قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة فقال: "لئن سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني أراك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني" ثم انصرف. قال ابن عباس: فسألت عن قول النبي : "إنك الذي أريت فيه ما رأيت" فأخبرني أبو هريرة أن النبي قال: "بينما أنا نائم أريت أن في يدي سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما، فأوحي إلي في المنام أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي، فهذا أحدهما العنسي صاحب صنعاء، والآخر مسيلمة صاحب اليمامة". =

<<  <  ج: ص:  >  >>